واعتمدنا على مصادر موثوق بها ، أن عليا قد دوّن الفقه في حياة الرسول وبعدها ، وكان هو وجماعة من المسلمين ، يرون جواز التدوين والكتابة ، بينما تمسك أكثر المسلمين برأي عمر بن الخطاب واعتبروه سنة ، لا يجوز بنظر الدين تجاوزها. وانصرفوا الى الحفظ ، معتمدين على ما ينقل إليهم من صدور الحفاظ عن الصحابة وغيرهم. على أن بعض المصادر تؤيد أن شيئا من التدوين قد كان ، ولكنه كان من أشخاص كانوا يدونون لأنفسهم ما عندهم من الأحاديث ، مخافة الضياع والنسيان.
أما التدوين الشامل ، فلم يحصل إلا في زمان متأخر ، لأسباب ثلاثة ، ذكرها محمد يوسف وغيره.
أولها : انتقال المسلمين من حال تغلب عليه البداوة ، الى حال كثر فيه العمران وعظمت فيه الحضارة وأخذوا ينعمون بالحياة المترفة ، الحافلة بأسباب النعيم والعمران ، فانصرفوا الى العلوم وموادها ، يعملون عقولهم في تحصيلها.
قال ابن خلدون في مقدمته : «ان العلوم إنما تكثر حيث يكثر العمران ونعم الحضارة». وقد ضرب لذلك أمثلة كثيرة.
ثانيها : انتشار الكتابة بين العرب والاعتماد عليها في تسجيل ما لديهم من المعارف المختلفة ، وفي ذلك ما يؤدي الى الانصراف عن الحفظ وضعف الذاكرة.
وفي مثل طرد هذه الحالات ، على الإنسان ، يضطر الى تسجيل ما لديه من المعارف ، خوفا من ضياعها. هذا بالإضافة الى أن بعض من دخلوا الإسلام ونبغوا في الفقه وعلوم القرآن والحديث ، وهم الكثرة في عهد التابعين كانوا من الموالي ، والكفرة الغالبة في هؤلاء كانت تحسن