التدوين قد حصل عن طريق أهل البيت وشيعتهم قبل ذلك بقرن تقريبا ، وفي غيرها ما يؤيد هذا الرأي. وقد نصت رواية البخاري ، التي نقلناها سابقا بأن عليا كتب صحيفة فيها بعض الأحكام ، كما أشرنا الى ما ذكره مسلم في مقدمة صحيحة ان ابن عباس دعا بقضاء علي (ع) وكتب منه أشياء ، الى غير ذلك مما ذكرناه في الفصول السابقة.
ومهما يكن الحال ، فقد ذكر المحدثون والرواة ، ان عمر بن عبد العزيز هو أول من دعا الى كتابة العلم وتصفيته من الدخيل. فقد كتب الى ابي بكر محمد بن عمر بن حزم (قاضي المدينة) يأمره أن ينظر ما كان من حديث الرسول أو سنته ، وأن يكتبه له. وقال في كتابه الى ابن حزم : اني خفت دروس العلم وذهاب العلماء.
وفي موطإ مالك ، من رواية محمد بن الحسين ، أنه أوصاه أن يكتب له ما عند عمرة بنت عبد الرحمن الانصارية ، تلميذة عائشة والقاسم بن محمد (١).
وفي تاريخ أصبهان لأبي نعيم قال : كتب عمر الى الآفاق ، انظروا حديث رسول الله (ص) فاجمعوه. وفي الرواية المذكورة ان ابن حزم قد كتب كتبا في الحديث ، وتوفي عمر بن عبد العزيز ، قبل ان ترسل اليه (٢).
وهذه الفكرة من عمر بن عبد العزيز ، تعتبر حدثا هاما في تاريخ العلم والحديث. فهي بالإضافة إلى انها تدل على بعد نظره ، وحرصه
__________________
(١) تمهيد لتأريخ الفلسفة ، لمصطفى عبد الرزاق (ص ١٩٦).
(٢) نفس المصدر.