نشأت؟ ومتى دونت وعن الأثر الذي تركه التدوين يكون الكلام عن تاريخ الفقه.
وليس من شك أن تاريخ الفقه نافع ومفيد ، لأن الاطلاع على جهود العلماء ، وعلى تدرج عقولهم النيرة في طريق النمو والرقي يمهد السبيل للوصول إلى الحقيقة ، كما أنه من الواضح أن لكل عصر من عصور التاريخ طابعه وظواهره الخاصة ، ومحال على آية فئة من الفئات ، أو أي فرد من الأفراد أن يفعل شيئا أو يرى رأيا يرجع الى ذاته مجردة عن ظروفها الطبيعية والاجتماعية ، بل لا بد أن تنعكس هذه الظواهر في أقواله وأفعاله ، أراد ذلك أو لم يرد.
والنتيجة الطبيعية لهذه الحقيقة أن دراسة تاريخ الفقه تهيئ لنا الوسيلة والأدوات التي نحلل بها آراء الفقهاء وأقوال الرواة تحليلا يردها إلى أسبابها الواقعية ، ويميز صحيحها من سقيمها ، والدخيل من الأصيل.
ثم إن العهد بتاريخ الفقه الإسلامي حديث جدا ، فلقد أهمله السلف الى أوائل هذا القرن ، حيث وضع الشيخ محمد الخضري فيه كتابا مختصرا ، وقد استوحى فكرة تأليفه من الغربيين ، فإنهم أول من تنبه الى تاريخ الأديان والعلوم والفنون (١) ثم حذا حذو الخضري الشيخ السبكي بالاشتراك مع بعض شيوخ الأزهر ، ثم الدكتور محمد يوسف موسى ، ولا رابع ـ فيما أعلم.
ولكن هؤلاء المؤلفين لم يكتبوا للتاريخ الذي هو للجميع ، وانما كتبوا
__________________
(١) الف السابقون في طبقات الفقهاء والنحاة والأدباء وغيرهم ، ولكن الطبقات والمراتب شيء ، وتاريخ الفن شيء آخر.