مثلهم ، ولا يعرفون من ذلك إلا ما تعرفه العامة من أهل الكتاب ، ومعظمهم من حمير ، الذين أخذوا بدين اليهودية. فلما أسلموا بقوا على ما كان عندهم مما لا تعلّق له بالأحكام الشرعية التي يحتاطون لها ، مثل أخبار بدء الخليقة ، وما يرجع إلى الحدثان والملاحم ، وأمثال ذلك. وهؤلاء مثل كعب الأحبار ، ووهب بن منبه ، وعبد الله بن سلام وأمثالهم. فامتلأت التفاسير من المنقولات عندهم في أمثال هذه الأغراض ، أخبار موقوفة عليهم ، وليست مما يرجع إلى الأحكام ، فيتحرى في الصحة التي يجب بها العمل. ويتساهل المفسرون في مثل ذلك ، وملؤوا كتب التفسير بهذه المنقولات. وأصلها ، كما قلنا ، عن أهل التوراة الذين يسكنون البادية ، ولا تحقيق عندهم بمعرفة ما ينقلونه من ذلك. إلا أنهم بعد صيتهم ، وعظمت أقدارهم ، لما كانوا عليه من المقامات في الدين والملة. فتلقيت بالقبول من يومئذ. فلما رجع الناس إلى التحقيق والتمحيص ، وجاء أبو محمد بن عطية ، من المتأخرين بالمغرب ، فلخص تلك التفاسير كلها ، وتحرى ما هو أقرب إلى الصحة منها ، ووضع ذلك في كتاب ، متداول بين أهل المغرب الأندلس ، حسن المنحى. وتبعه القرطبي في تلك الطريقة ، على منهاج واحد في كتاب آخر مشهور ، بالمشرق.
والصنف الآخر من التفسير ، وهو ما يرجع إلى اللسان من معرفة اللغة والإعراب ، والبلاغة ، وتأدية المعنى بحسب المقاصد والأساليب ؛ وهذا الصنف من التفسير قلّ أن ينفرد عن الأول ؛ إذ الأول هو المقصود بالذات ، وإنما جاء هذا بعد أن صار اللسان وعلومه صناعة. انتهى.
٢ ـ قاعدة في معرفة صحيح التفسير ، وأصح التفاسير عند الاختلاف :
قال الإمام محمد بن المرتضى اليماني رضي الله عنه في كتابه «إيثار الحق على الخلق» :
فصل
في الإرشاد إلى طريق المعرفة لصحيح التفسير ، وأصح التفاسير عند الاختلاف بطريق واضح لا يشك أهل الإنصاف في حسن التنبيه عليه والإرشاد إليه :
«اعلم أن كتاب الله تعالى ، لما كان مفزع الطالب للحق بعد الإيمان ، وكان محفوظا كما وعد به الرحمن ، دخل الشيطان على كثير من طريق تفسيره ، وعدم