ومنها : إعظام أجور هذه الأمة ـ من حيث إنهم يفرغون جهدهم ليبلغوا قصدهم ـ في تتبع معاني ذلك ، واستنباط الحكم والأحكام : من دلالة كلّ لفظ ، واستخراج كمين أسراره ، وخفيّ إشاراته بقدر ما يبلغ غاية علمهم ، ويصل إليه نهاية فهمهم ، والأجر على قدر المشقّة. ومنها : بيان فضل هذه الأمة وشرفه على سائر الأمم من حيث تلقّيهم كتاب ربهم هذا التلقّي ، وإقبالهم عليه هذا الإقبال ، والبحث عن لفظة لفظة ، والكشف عن صيغة صيغة ، وتحرير تصحيحه ، وإتقان تجويده ، حتى حموه من خلل التحريف ، وحفظوه من الطغيان والتطفيف ، فلم يهملوا تحريكا ولا تسكينا ولا تفخيما ولا ترقيقا ، حتى ضبطوا مقادير المدات ، وتفاوت الإمالات ، وميّزوا بين الحروف بالصفات ، مما لم يهتد إليه فكر أمّة من الأمم ، ولا يوصل إليه إلا بإلهام بارئ النسم. ومنها : ما ذخره الله تعالى من المنقبة العظيمة ، والنعمة الجليلة الجسيمة لهذه الأمة ، من إسنادها كتاب ربها واتصال هذا السبب الإلهيّ بسببها ، فكلّ قارئ يوصل حرفه بالنقل إلى أصله ، ويرفع ارتياب الملحد قطعا بوصله. ومنها : ظهور سر الله تعالى في تولّيه حفظ كتابه العزيز ، وصيانة كلامه المنزل بأوفى البيان والتمييز ، فإنه تعالى لم يخل عصرا من الأعصار ، ولو في قطر من الأقطار ، من إمام حجة قائم بنقل كتاب الله تعالى وإتقان حروفه ورواياته ، وتصحيح وجوهه وقراءاته ، يكون وجوده سببا لوجود هذا السبب القويم على ممر الدهور ، وبقاؤه دليلا على بقاء القرآن العظيم في المصحف والصدور» انتهى.
إجمال المباحث المتقدمة في تواتر القراءات وعدمها
قال السيد محمد الطباطبائيّ ـ أحد أعلام الإمامية ـ في كتابه «مفاتيح الأصول» في : باب أدلّة الأحكام في القول في الكتاب الكريم. ما مثاله :
اختلفوا في أنّ القراءات السبع المشهورة ، هل هي متواترة ، أو لا؟ على أقوال :
الأول : إنها متواترة مطلقا ، وإن الكلّ مما نزل به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين. هو للعلامة ابن المطهر ، وابن فهد ، والمحقق الثاني في المعالم ، والشهيد الثاني في المقاصد العلية ، والمحدث الحر العامليّ ، والمحكيّ عن الفاضل الجواد ، وفي شرح الوافية للسيد صدر الدين ، معظم المجتهدين من أصحابنا حكموا بتواتر القراءات السبع. وفي التفسير الكبير للرازيّ : ذهب إليه الأكثرون.
الثاني : إن القراءات السبع منها ما هو من قبيل الهيئة كالمدة واللين وتخفيف