الله! تصحبنا منذ كذا وكذا ، ولا تعلم أن الزير والضيق واحد. وقد جاءت أشعارهم على روايات مختلفة ، وبألفاظ متباينة ، يعلم من مجموعها أنهم ما كانوا يلتزمون لفظا واحدا على الخصوص ، بحيث يعد مرادفه أو مقاربه عيبا أو ضعفا. إلا في مواضع مخصوصة لا يكون ما سواها من المواضع محمولا عليها ، وإنما معهودها الغالب ما تقدم.
والثالث : أنها قد تهمل بعض أحكام اللفظ ، وإن كانت تعتبره على الجملة ، كما استقبحوا العطف على الضمير المرفوع المتصل مطلقا ولم يفرقوا بين ما له لفظ ، وما ليس له لفظ ، فقبح «قمت وزيد» ، كما قبح «قام وزيد» وجمعوا في الردف بين عمود ويعود ، من غير استكراه. وواو عمود أقوى في المد. وجمعوا بين سعيد وعمود مع اختلافهما ، وأشباه ذلك من الأحكام اللطيفة التي تقتضيها الألفاظ في قياسها النظريّ ، لكنها تهملها وتوليها جانب الإعراض ، وما ذاك إلا لعدم تعمقها في تنقيح لسانها.
والرابع : أن الممدوح من كلام العرب ، عند أرباب العربية ، ما كان بعيدا عن تكلف الاصطناع. ولذلك ، إذا اشتغل الشاعر العربيّ بالتنقيح اختلف في الأخذ عنه. فقد كان الأصمعيّ يعيب الحطيئة. واعتذر عن ذلك بأن قال : وجدت شعره كله جيدا ، فدلني على أنه كان يصنعه ، وليس هكذا الشاعر المطبوع. إنما الشاعر المطبوع الذي يرمي بالكلام على عواهنه ، جيده ورديه. وما قاله هو الباب المنتهج ، والطريق المهيع عند أهل اللسان. وعلى الجملة فالأدلة على هذا المعنى كثيرة ، ومن زاول كلام العرب وقف من هذا على علم. وإذا كان كذلك ، فلا يستقيم للمتكلم في كتاب الله أو سنة رسول الله أن يتكلف فيهما فوق ما يسعه لسان العرب ، وليكن شأنه الاعتناء بما شأنه أن تعتني العرب به ، والوقوف عند ما حدث.
ثم قال الشاطبيّ :
فصل
ومنها ـ أنه إنما يصح في مسلك الأفهام والفهم ، ما يكون عاما لجميع العرب ، فلا يتكلف فيه فوق ما يقدرون عليه ، بحسب الألفاظ والمعاني. فإن الناس في الفهم وتأتي التكليف فيه ، ليسوا على وزان واحد ولا متقارب. إلا أنهم يتقاربون في الأمور الجمهوريّة وما والاها. وعلى ذلك جرت مصالحهم في الدنيا. ولم يكونوا