الفريقين. وربما يقع في مثل هذا من التعريض بخصوصيات الحادثة ما يبلغ حدّ الكثرة. فيجب أن يذكر شرح الحادثة مختصرا ليتضح سوق الكلام على القارئ.
القسم الثاني : أن يتم معنى الآية بعمومها من غير احتياج إلى العلم بالحادثة التي هي سبب النزول. والحكم لعموم اللفظ لا لخصوص السبب. وقد ذكر قدماء المفسرين تلك الحادثة بقصد الإحاطة بالآثار المناسبة للآية ، أو بقصد بيان ما صدق عليه العموم. وليس ذكر هذا القسم من الضروريات.
وقد تحقق عند الفقير ، أن الصحابة والتابعين كثيرا ما كانوا يقولون : نزلت الآية في كذا وكذا ، وكان غرضهم تصوير ما صدقت عليه الآية ، وذكر بعض الحوادث التي تشملها الآية بعمومها ، سواء تقدمت القصة أو تأخرت ، إسرائيليّا كان ذلك أو جاهليّا أو إسلاميّا ، استوعبت جميع قيود الآية أو بعضها والله أعلم.
فعلم من هذا التحقيق أن للاجتهاد في هذا القسم مدخلا ، وللقصص المتعددة هنالك سعة. فمن استحضر هذه النكتة يتمكن من حل ما اختلف من سبب النزول بأدنى عناية ، انتهى كلامه.
٥ ـ قاعدة في الناسخ والمنسوخ
قد تقرر أن النسخ في الشرائع جائز ، موافق للحكمة وواقع. فإن شرع موسى نسخ بعض الأحكام التي كان عليها إبراهيم. وشرع عيسى نسخ بعض أحكام التوراة. وشريعة الإسلام نسخت جميع الشرائع السابقة. لأن الأحكام العملية التي تقبل النسخ ، إنما تشرع لمصلحة البشر. والمصلحة تختلف باختلاف الزمان ، فالحكيم العليم يشرع لكل زمن ما يناسبه.
وكما تنسخ شريعة بأخرى ، يجوز أن تنسخ بعض أحكام شريعة بأحكام أخرى في تلك الشريعة. فالمسلمون كانوا يتوجهون إلى بيت المقدس في صلاتهم ، فنسخ ذلك بالتوجه إلى الكعبة ، وهذا لا خلاف فيه بين المسلمين. ولكنّ هناك خلافا في نسخ أحكام القرآن ولو بالقرآن. فقد قال أبو مسلم محمد بن بحر الأصفهانيّ المفسر الشهير : ليس في القرآن آية منسوخة ، وهو يخرّج كل ما قالوا إنه منسوخ على وجه صحيح بضرب من التخصيص أو التأويل.
وظاهر أن مسألة القبلة ليس فيها نسخ للقرآن ، وإنما هي نسخ لحكم ، لا ندري