المذكورين بطريق الإبهام ، أو بطريق التلفظ بكلمة قرآنية ، أو فضل سور وآيات من القرآن ، أو صورة امتثاله صلىاللهعليهوسلم بأمر من أوامر القرآن ونحو ذلك. وليس شيء من هذا في الحقيقة من أسباب النزول ، ولا يشترط إحاطة المفسر بهذه الأشياء ، إنما شرط المفسر أمران :
الأول : ما تعرض له الآيات من القصص ، فلا يتيسر فهم الإيماء بتلك الآيات إلا بمعرفة تلك القصص.
والثاني : ما يخصص العام من القصة ، أو مثل ذلك من وجوه صرف الكلام عن الظاهر. فلا يتيسر فهم المقصود من الآيات بدونها.
ومما ينبغي أن يعلم أن قصص الأنبياء السابقين لا تذكر في الحديث إلا على سبيل القلة ، فالقصص الطويلة العريضة التي تكلف المفسرون روايتها ، كلها منقولة عن علماء أهل الكتاب ، إلا ما شاء الله تعالى. وقد جاء في صحيح البخاريّ مرفوعا : لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم (١). وليعلم أن الصحابة والتابعين ربما كانوا يذكرون قصصا جزئية لمذاهب المشركين واليهود وعاداتهم من الجهالات لتتضح تلك العقائد والعادات ، ويقولون : نزلت الآية في كذا. ويريدون بذلك أنها نزلت في هذا القبيل ، سواء كان هذا وما أشبهه ، أو ما قاربه. ويقصدون إظهار تلك الصورة ، لا بخصوصها ، بل لأجل أن التصوير صالح لتلك الأمور الكلية. ولهذا تختلف أقوالهم في كثير من المواضع ، وكلّ يجرّ الكلام إلى جانب. وفي الحقيقة ، المطالب متحدة. وإلى هذه النكتة أشار أبو الدرداء حيث قال : لا يكون أحد فقيها حتى يحمل الآية على محامل متعددة. انتهى.
وقال أيضا : من جملة الآثار المروية في كتب التفسير بيان سبب النزول. وسبب النزول على قسمين :
الأول : أن تقع حادثة يظهر فيها إيمان المؤمنين ، ونفاق المنافقين ، كما وقع في أحد والأحزاب ، أنزل الله تعالى مدح هؤلاء ، وذم أولئك ، ليكون فيصلا بين
__________________
(١) أخرجه البخاريّ في التوحيد باب ما يجوز من تفسير التوراة وغيرها من كتب الله بالعربية وغيرها. عن أبي هريرة قال : كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا : (آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ ...) الآية».