أنه تقوّل وبهتان ، مثل ما تقدم من تفسير الباطنية ومن حذا حذوهم. وكلا الطريقين فيه ميل عن الإنصاف. ولا بد قبل الخوض في رفع الإشكال من تقديم أصل مسلّم يتبين به ما جاء من هذا القبيل ، وهي :
المسألة العاشرة
فنقول : إن الاعتبارات القرآنية الواردة على القلوب الظاهرة للبصائر ، إذا صحت على كمال شروطها ، فهي على ضربين :
أحدهما : ما يكون أصل انفجاره من القرآن ، ويتبعه سائر الموجودات ، فإن الاعتبار الصحيح في الجملة هو الذي يخرق نور البصيرة فيه حجب الأكوان من غير توقف ، فإن توقف فهو غير صحيح أو غير كامل حسبما بينه أهل التحقق بالسلوك.
والثاني : يكون أصل انفجاره من الموجودات جزئيها أو كلّيها ، ويتبعه الاعتبار في القرآن.
فإن كان الأول ، فذلك الاعتبار صحيح ، وهو معتبر في فهم باطن القرآن من غير إشكال ، لأن فهم القرآن إنما يرد على القلوب على وفق ما نزل له القرآن ، وهو الهداية التامة ، على ما يليق بكل واحد من المكلفين ، وبحسب التكاليف وأحوالها ، لا بإطلاق. وإذا كانت كذلك فالمشي على طريقها مشي على الصراط المستقيم ، ولأن الاعتبار القرآنيّ قلما يجده إلا من كان من أهله عملا به على تقليد أو اجتهاد ، فلا يخرجون عند الاعتبار فيه عن حدوده ، كما لم يخرجوا في العمل به والتخلق بأخلاقه عن حدوده. بل تنفتح لهم أبواب الفهم فيه على توازي أحكامه. ويلزم من ذلك أن يكون معتدا به ، لجريانه على مجاريه.
والشاهد على ذلك ما نقل من فهم السلف الصالح فيه ، فإنه كله جار على ما تقضي به العربية ، وما تدل عليه الأدلة الشرعية حسبما تبين قبل.
وإن كان الثاني فالتوقف عن اعتباره في فهم باطن القرآن لازم ، وأخذه على إطلاقه فيه ممتنع ، لأنه بخلاف الأول ، فلا يصح إطلاق القول باعتباره في فهم القرآن ، فنقول : إن تلك الأنظار الباطنة في الآيات المذكورة إذا لم يظهر جريانها على مقتضى الشروط المتقدمة فهي راجعة إلى الاعتبار غير القرآنيّ ، وهو الوجوديّ. ويصح تنزيله على معاني القرآن ، لأنه وجوديّ أيضا ، فهو مشترك من تلك الجهة ، غير خاص فلا