القرآن فأتته فقالت : ما حديث بلغني عنك ، أنك لعنت كذا وكذا؟ فذكرته. فقال عبد الله : ومالي لا ألعن من لعن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهو في كتاب الله؟ فقالت المرأة : لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته. فقال : لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه. قال الله عزوجل : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) الحديث. وعبد الله من العالمين بالقرآن.
ثم قال الشاطبيّ :
فصل
فعلى هذا لا ينبغي في الاستنباط من القرآن الاقتصار عليه دون النظر في شرحه وبيانه ، وهو السنة ، لأنه إذا كان كليا وفيه أمور جلية ، كما في شأن الصلاة والزكاة والحج والصوم ونحوها ، فلا محيص عن النظر في بيانه. وبعد ذلك ينظر في تفسير السلف الصالح له ، إن أعوزته السنة ، فإنهم أعرف به من غيرهم ، وإلا فمطلق الفهم العربيّ لمن حصله يكفي فيها أعوز من ذلك. والله أعلم.
ثم قال الشاطبيّ :
فصل
القرآن فيه بيان كل شيء على ذلك الترتيب المتقدم. فالعالم به على التحقيق عالم بجملة الشريعة لا يعوزه منها شيء. والدليل على ذلك أمور : منها النصوص القرآنية في قوله : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) [المائدة : ٣] الآية. وقوله : (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) [النحل : ٣٨]. وقوله : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) [الأنعام : ٣٨]. وقوله : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) [الإسراء : ٩] يعني الطريقة المستقيمة. ولو لم يكمل فيه جميع معانيها لما صح إطلاق هذا المعنى عليه حقيقة. وأشباه ذلك من الآيات الدالة على أنه هدى وشفاء لما في الصدور. ولا يكون شفاء لجميع ما في الصدور إلا وفيه تبيان كل شيء. ومنها ما جاء في الأحاديث والآثار المؤذنة بذلك كقوله عليهالسلام (١) : إن هذا القرآن حبل الله وهو النور المبين ، والشفاء النافع ، عصمة لمن تمسك به ، ونجاة لمن تبعه ، لا
__________________
(١) أخرجه الدارمي في سننه ، في فضائل القرآن ، باب فضل من قرأ القرآن ، عن أبي الأحوص عن عبد الله قال : إن هذا القرآن مأدبة الله فتعلموا من مأدبته ما استطعتم. إن هذا القرآن حبل الله ، والنور المبين والشفاء النافع. عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن اتبعه. لا يزيغ فيستعتب ولا يعوج فيقوّم. ولا تنقضي عجائبه ولا يخلق على كثرة الرد. فاتلوه فإن الله يأجركم على تلاوته بكل حرف عشر حسنات. أما إني لا أقول : ألم ، ولكن ألف ولام وميم.