مدخل لموافقة الخط وعدمها عند ثبوت التواتر.
الثاني : اعلم أنه إذا قلنا بأنّ القراءات السبع كلها متواترة يقينا ، فيتفرع عليه أمور : منها : جواز استفادة الأحكام الشرعية من كل منها ، ومنها : وجوب الاجتناب من كل منها أصالة إذا كان محدثا. ومنها : لزوم الجمع بين القراءات عند تعارضها ، كما يجب الجمع بين الآيات عند تعارضها. وإن قلنا بأنّ تواترها غير ثابت يقينا ، فيتفرع عليه أمور منها : عدم وجوب الاجتناب عن جميع القراءات أصالة إذا كان محدثا ، بل يجب من باب المقدمة على القول بأنّ المنهي عنه ـ إذا كان مشتبها بغيره وكان محصورا ـ وجب الاجتناب عن الجميع. وأمّا على القول بعدم وجوب ذلك فلا يجب الاجتناب ـ عمّا ذكر ـ لا أصالة ولا مقدّمة. ومنها : عدم جواز الاستدلال بشيء من القراءات ، ولزوم الجمع بينها عند التعارض. لكنّ هذا إنّما يصحّ إذا منعنا الظنّ بتواترها ، وأمّا إذا قلنا به ، فيجوز الاستدلال بكلّ منها ، ويجب الجمع بينها ، كما إذا علم به ، بناء على أنّ الأصل في كل ظن الحجية ، فإن منع منه ، ففي الأمرين نظر ...!» انتهى بحروفه ملخصا.
فصل
في ذكر ملخص وجوه التفسير ومراتبه
هذا الفصل ننقله عن مقدّمة التفسير الذي شرع فيه ، في هذا العهد ، الأستاذ النحرير الشيخ محمد عبده مفتي مصر. قال ـ حرسه الله وأيّده ورعاه ـ :
«التكلم في تفسير القرآن ليس بالأمر السهل ، وربما كان من أصعب الأمور وأهمّها ، وما كل صعب يترك. ولذلك لا ينبغي أن يمتنع الناس عن طلبه. ووجوه الصعوبة كثيرة ، أهمّها : أنّ القرآن كلام سماويّ تنزّل من حضرة الربوبية ، التي لا يكتنه كنهها ، على قلب أكمل الأنبياء ، وهو يشتمل على معارف عالية ، ومطالب سامية ، لا يشرف عليها إلا أصحاب النفوس الزاكية والعقول الصافية ، وأنّ الطالب له يجد أمامه من الهيبة والجلال ، الفائضين من حضرة الكمال ، ما يأخذ بتلبيبه ، ويكاد يحول دون مطلوبه. ولكن الله تعالى خفف علينا الأمر بأن أمرنا بالفهم والتعقّل لكلامه ، لأنه إنما أنزل الكتاب نورا وهدى مبينا للناس شرائعه وأحكامه ، ولا يكون كذلك إلا إذا كانوا يفهمونه. والتفسير الذي نطلبه هو فهم الكتاب من حيث هو دين يرشد الناس إلى ما فيه سعادتهم في حياتهم الدنيا ، وحياتهم الآخرة. فإنّ هذا هو