ثم قال الشاطبيّ :
فصل
وقد وقعت في القرآن تفاسير مشكلة يمكن أن تكون من هذا القبيل أو من قبيل الباطن الصحيح. وهي منسوبة لأناس من أهل العلم ، وربما نسب منها إلى السلف الصالح. فمن ذلك فواتح السور نحو : ألم ، والمص ، وحم ، ونحوها. فسرت بأشياء. منها ما يظهر جريانه على مفهوم صحيح ومنها ما ليس كذلك. فينقلون عن ابن عباس أن «ألم» أن ألف الله. ولام جبريل. وميم محمد صلىاللهعليهوسلم. وهذا ، إن صح في النقل ، فمشكل. لأن هذا النمط من التصرف لم يثبت في كلام العرب هكذا مطلقا. وإنما أتى مثله إذا دل عليه الدليل اللفظيّ أو الحاليّ كما قال : (قلت لها قفي فقالت قاف) وقال : (قالوا جميعا كلهم بلى فا) وقال : (لا أريد الشهر إلا أن تا) والقول في «الم» ليس هكذا. وأيضا فلا دليل من خارج يدل عليه. إذ لو كان له دليل لاقتضت العادة نقله ، لأنه من المسائل التي تتوفر الدواعي على نقلها لو صح أنه مما يفسر ويقصد تفهيم معناه. ولما لم يثبت شيء من ذلك دل على أنه من قبيل المتشابهات. فإن ثبت له دليل يدلّ عليه ، صير إليه. وقد ذهب فريق إلى أن المراد الإشارة إلى حروف الهجاء ، وأن القرآن منزل بجنس هذه الحروف وهي العربية. وهو أقرب من الأول. كما أنه نقل أن هذه الفواتح أسرار لا يعلم تأويلها إلا الله ، وهو أظهر الأقوال فهي من قبيل المشابهات. وأشار جماعة إلى أن المراد بها أعدادها. تنبيها على مدة هذه الملة. وفي السير ما يدل على هذا المعنى. وهو قول يفتقر إلى أن العرب كانت تعهد في استعمالها الحروف المقطعة أن تدل بها على أعدادها. وربما لا يوجد مثل هذا ، لها ، البتة ، وإنما كان أصله في اليهود حسبما ذكره أصحاب السير. فأنت ترى هذه ال أقوال مشكلة إذا سبرناها بالمسبار المتقدم. وكذلك سائر الأقوال المذكورة في الفواتح مثلها في الإشكال وأعظم. ومع إشكالها فقد اتخذها جمع من المنتسبين إلى العلم ، بل إلى الاطلاع والكشف على حقائق الأمور ، حججا في دعا وادعوها على القرآن. وربما نسبوا شيئا من ذلك إلى عليّ بن أبي طالب ، وزعموا أنها أصل العلوم ، ومنبع المكاشفات على أحوال الدنيا والآخرة. وينسبون ذلك إلى أنه مراد الله تعالى في خطابه العرب الأمية التي لا تعرف شيئا من ذلك. وهو ، إذا سلم أنه مراد في تلك الفواتح في الجملة ، فما الدليل على