الإيمان : أين تذهب بكم هذه الآية (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا) [الأحقاف : ٢٠]؟ وكان هو يعتبر نفسه بها. وإنما أنزلت في الكفار لقوله : (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ) الآية ، ولهذا المعنى تقرير في العموم والخصوص. فإذا كان كذلك ، صح النزيل بالنسبة إلى النفس الأمارة في قوله : (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً) والله أعلم.
ثم قال الشاطبيّ :
فصل
ومن المنقول عن سهل أيضا في قوله تعالى : (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) [البقرة : ٣٥] قال : لم يرد معنى الأكل في الحقيقة وإنما أراد معنى مساكنة الهمة لشيء هو غيره ، أي لا تهتم بشيء هو غيري. قال : فآدم لم يعصم من الهمة والتدبير فلحقه ما لحقه. قال : وكذلك كل من ادعى ما ليس له ، وساكن قلبه ، ناظرا إلى هوى نفسه ، لحقه الترك من الله ، مع ما جبلت عليه نفسه فيه ، إلا أن يرحمهالله فيعصمه من تدبيره ، وينصره على عدوه وعليها.
قال : وآدم لم يعصم عن مساكنة قلبه إلى تدبير نفسه للخلود لما أدخل الجنة ، لأن البلاء في الفرع دخل عليه من أجل سكون القلب إلى ما وسوست به نفسه ، فغلب الهوى والشهوة والعلم والعقل بسابق القدر ، إلى آخر ما تكلم به.
وهذا الذي ادعاه في الآية خلاف ما ذكره الناس من أن المراد النهي عن نفس الأكل ، لا عن سكون الهمة لغير الله ، وإن كان ذلك منهيّا عنه أيضا ، ولكن له وجه يجري عليه لمن تأول ، فإن النهي إنما وقع عن القرب لا غيره ، ولم يرد النهي عن الأول تصريحا ، فلا منافاة بين اللفظ وبين ما فسر به.
وأيضا فلا يصح حمل النهي على نفس القرب مجردا. إذ لا مناسبة فيه تظهر ، ولأنه لم يقل به أحد ، وإنما النهي عن معنى القرب. وهو إما التناول والأكل ، وإما غيره ، وهو شيء ينشأ الأكل عنه ، وذلك مساكنة الهمة ، فإنه الأصل في تحصيل الأكل. ولا شك في أن السكون لغير الطلب نفع أو دفع ، منهيّ عنه. فهذا التفسير له وجه ظاهر ، فكأنه يقول : لم يقع النهي عن مجرد الأكل من حيث هو أكل ، بل عما ينشأ عنه الأكل من السكون لغير الله ، إذ لو انتهى لكان ساكنا لله وحده. فلما لم يفعل ، وسكن إلى أمر في الشجرة غرّه به الشيطان ، وذلك الخلد المدعى ، أضاف