أنه مراد على كل حال من تركيبها على وجوه ، وضرب بعضها ببعض ، ونسبتها إلى الطبائع الأربع ، وإلى أنها الفاعلة في الوجود ، وأنها مجمل كل مفصل ، وعنصر كل موجود. ويرتبون في ذلك ترتيبا جميعه دعا ومحالة على الكشف والاطلاع. ودعوى الكشف ليس بدليل في الشريعة على حال ، كما أنه لا يعد دليلا في غيرها ، كما سيأتي بحول الله.
ثم قال الشاطبيّ :
فصل
ومن ذلك أنه نقل عن سهل بن عبد الله في فهم القرآن أشياء مما يعد من باطنه. فقد ذكر عنه أنه قال في قوله تعالى : (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً) [البقرة : ٢٢] أي أضدادا. قال : وأكبر الأنداد النفس الأمارة بالسوء ، الطواعة إلى حظوظها ومنهيها بغير هدى من الله. وهذا يشير إلى أن النفس الأمارة داخلة تحت عموم الأنداد ، حتى لو فصل لكن المعنى : فلا تجعلوا لله أندادا لا صنما ولا شيطانا ولا النفس ولا كذا. وهذا مشكل الظاهر جدا ، إذ كان مساق الآية ومحصول القرائن فيها يدل على أن الأنداد الأصنام أو غيرها مما كانوا يعبدون ، ولم يكونوا يعبدون أنفسهم ولا يتخذونها أربابا. ولكن له وجه جار على الصحة ، وذلك أنه لم يقل إن هذا هو تفسير الآية ، ولكن أتى بما هو ندّ في الاعتبار الشرعيّ الذي شهد له القرآن من جهتين :
إحداهما : أن الناظر قد يأخذ من معنى الآية معنى من باب الاعتبار ، فيجريه له فيما لم تنزل فيه ، لأنه يجامعه في القصد أو يقاربه ، لأن حقيقة الندّ أنه المضاد لندّه ، الجاري على مناقضته. والنفس الأمارة هذا شأنها ، لأنها تأمر صاحبها بمراعاة حظوظها ، لاهية أو صادّة عن مراعاة حقوق خالقها. وهذا هو الذي يعني به الندّ في نده. لأن الأصنام نصبوها لهذا المعنى بعينه. وشاهد صحة هذا الاعتبار قوله تعالى : (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) [التوبة : ٣١] وهم لم يعبدوهم من دون الله ولكنهم ائتمروا بأوامرهم ، وانتهوا عما نهوهم عنه كيف كان. فما حرموا عليهم حرموه ، وما أباحوا لهم حللوه ، فقال الله تعالى : (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) وهذا شأن المتبع لهوى نفسه.
والثانية : أن الآية : وإن نزلت في أهل الأصنام ، فإن لأهل الإسلام فيها نظرا بالنسبة إليهم. ألا ترى أن عمر بن الخطاب قال لبعض من توسع في الدنيا من أهل