حظّ لهم فيها. قالوا : يا ربنا لو أدخلتنا النار قبل أن ترينا ما أريتنا كان أهون في عذابنا. قال الله : ذلك أردت بكم. إذا لقيتم الناس لقيتموهم مخبتين متواضعين ، وإذا خلوتم بارزتموني بالعظائم. أجللتم الناس ولم تجلّوني. وعظمتم الناس ولم تعظموني. وخفتم الناس ولم تخافوني. فاليوم أذيقكم أليم عذابي كما حرمتكم جزيل ثوابي. ذكره ابن أبي الدنيا وغيره.
ومن الأمثلة المشهورة لمن يثبت المجاز في القرآن : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢] المراد به أهلها. فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. فقيل لهم : لفظ القرية والمدينة والنهر والميراث وأمثال هذه الأمور التي فيها الحال والمحل ، وكلاهما داخل في الاسم ، ثم قد يعود الحكم على الحال ، وهو السكان. وتارة على المحل ، وهو المكان ، وكذلك في النهر يقال : حفرت النهر ، وهو المحل. وجرى النهر ، وهو الماء. ووضعت الميزاب ، وهو المحل. وجرى الميزاب ، وهو الماء. وكذلك القرية. قال تعالى : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً) [النحل : ١١٢] وقوله : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلَّا أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) [الأعراف : ٤ ـ ٥] ، وقال في آية أخرى : (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ) [الأعراف : ٩٧] فجعل القرى هم السكان. وقال : (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ) [محمد : ١٣] ، وهم السكان. وكذلك قوله : (وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً) [الكهف : ٥٩] ، وقال تعالى : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها) [البقرة : ٢٥٩] ، فهذا المكان ، لا السكان. لكن لا بد أن يلحظ أنه كان مسكونا. فلا يسمى قرية إلا إذا كان قد عمر للسكنى. فمأخوذ من القرى وهو الجمع. ومنه قولهم : قريت الماء في الحوض ، إذا جمعته فيه. ونظير ذلك لفظ الإنسان يتناول الجسد والروح. ثم الأحكام يتناول هذا تارة وهذا تارة لتلازمهما. فكذلك القرية ، إذا عذب أهلها خربت. وإذا خربت كان عذابا لأهلها. فما يصيب أحدهما من الشر ينال الآخر. كما ينال البدن والروح ما يصيب أحدهما. فقوله : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢] ، مثل قوله : (قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً) [النحل : ١١٢] ، فاللفظ هنا يراد (به) السكان من غير إضمار ولا حذف. فهذا بتقدير أن يكون في اللغة مجاز ، فلا مجاز في القرآن. بل وتقسيم اللغة إلى حقيقة ومجاز تقسيم مبتدع محدث. لم ينطق به السلف. والخلف فيه على قولين. وليس النزاع فيه لفظيا. بل يقال نفس هذا التقسيم باطل.