أيضا ، إذ كما أن اختلاف بعض الهيئات لا يؤثر في صلاحية كون القرآن متحدى به ، وفي كونه من أصول الأحكام ، كذلك اختلاف بعض الجواهر لا يؤثر في ذلك ، فلم يلزم أن كلّ ما هو من قبيل الجوهر لا بدّ أن يكون متواترا ، فليتأمّل ...!» انتهى.
واعترض عليه جمال الدين الخونساري فقال ـ بعد الإشارة إليه ـ : «لا يخفى أن ما ذكر من دليل وجوب تواتر القرآن ـ وهو توفّر الدواعي على نقله للتحدي به ولكونه أصل سائر الأحكام ـ لا يدل إلا على وجوب تواتر مادته وهيأته التي يختلف باختلافها المعنى والفصاحة والبلاغة. وأمّا ما يكون من قبيل الأداء بالمعنى الذي ذكر ، فلا يدلّ على وجوب تواتره ، إذ لا مدخل له فيما هو مناط توفّر الدوعي. أمّا استنباط الأحكام فظاهر. وأمّا التحدي والإعجاز فلأنهما لا يوجبان إلا نقل أصل الكلام الذي وقعا به من مادّته وصورته التي لهما مدخل فيهما. وأمّا الهيأة التي لا مدخل لها في ذلك ـ كالمدّ واللين مثلا ـ فلا حاجة إلى تواترهما. بل يكفي فيهما الحوالة إلى ما هو دأب العرب في كلامهم في المد في مواضعه ، واللين في مواقعه ، وكذا في أمثالهما».
ثمّ قال : «لا يخفى أنه إذا جوز تغيير بعض الجواهر ، مما يكون من هذا القبيل ، فقد يؤدي خطأ إلى تغيير ما يختلف ويختل به المعنى والفصاحة والبلاغة ، فلا بد من سد ذلك الباب بالكلية ، حذرا من أن ينتهي إلى ذلك ، وأما تحريف النقلة في المد واللين وأمثالهما فلا يخل بشيء ، إذ يكفي فيهما الرجوع إلى قوانين العرب فيهما. فإذا نقل إلينا متواترا جوهر الكلام وهيأته التي لها دخل في المعنى والفصاحة والبلاغة ، فلنرجع في المد واللين وأمثالهما إلى قوانين العرب ، ولا حاجة إلى أن يتواتر عندنا أنّه في أيّ موضع مدّ ، وفي أيّ موضع قصر ، وهو ظاهر».
وللقول الثالث وجوه :
منها : خبر الفضيل بن يسار قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : إنّ الناس يقولون : نزل القرآن على سبعة أحرف ، فقال : بل نزل على حرف واحد من عند واحد».
ويؤيّده خبر زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «إنّ القرآن واحد نزل من عند الواحد» ولكن الاختلاف يجيء من قبل الرواة.
ومنها : ما ذكره السيد نعمة الله من أنّ كتب القراءة والتفسير مشحونة من قولهم : قرأ حفص وعاصم كذا ، وفي قراءة عليّ بن أبي طالب وأهل البيت عليهم