العامة التي كانوا عليها واعتبروا بها ، كما قال تعالى لنبيه يدعوه إلى الاقتداء بمن كان قبله من الأنبياء : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) [الأنعام : ٩٠] حيث بيّن أن القصص إنما هو للعظة والاعتبار. وفي قوله تعالى : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) تصريح بأن من دون المنعم عليهم فريقان : فريق ضل عن صراط الله ، وفريق جاحده ، وعاند من يدعو إليه ، فكان محفوفا بالغضب الإلهيّ ، والخزي في هذه الحياة الدنيا. وباقي القرآن يفصل لنا في أخبار الأمم هذا الإجمال على الوجه الذي يفيد العبرة ، فيشرح حال الظالمين الذين قاوموا الحق ، وحال الذين حافظوا عليه وصبروا على ما أصابهم في سبيله.
فتبين من مجموع ما تقدم : أن الفاتحة قد اشتملت إجمالا على الأصول التي يفصلها القرآن تفصيلا. فكان إنزالها أولا موافقا لسنة الله تعالى في الإبداع ، وعلى هذا تكون الفاتحة جديرة بأن تسمى «أم الكتاب».
الثالثة : مما صح في فضلها من الأخبار : ما رواه البخاريّ في صحيحه عن أبي سعيد بن المعلّى رضي الله عنه قال :
كنت أصلي في المسجد فدعاني النبي صلىاللهعليهوسلم فلم أجبه. فقلت : يا رسول الله إني كنت أصلي. فقال : ألم يقل الله (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ)؟ ـ ثم قال لي : «لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن قبل أن تخرج من المسجد؟» ثم أخذ بيدي ، فلما أراد أن نخرج ، قلت : يا رسول الله ألم تقل لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن. قال :
«الحمد لله رب العالمين ، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته» (١).
وروى الإمام أحمد والترمذيّ بإسناد حسن صحيح عن أبي هريرة ، نحوه ، غير أن القصة مع أبيّ بن كعب ، وفي آخره :
«والذي نفسي بيده ما أنزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها ، إنها السبع المثاني» (٢).
واستدل بهذا الحديث وأمثاله على تفاضل بعض الآيات والسور على بعض ، كما هو المحكي عن كثير من العلماء منهم : إسحاق بن راهويه ، وأبو بكر بن العربيّ وابن الحضار من المالكية ، وذلك بيّن واضح.
__________________
(١) أخرجه البخاريّ في : التفسير ، باب ما جاء في فاتحة الكتاب.
(٢) أخرجه الإمام أحمد في مسنده. والترمذي في : ثواب القرآن ، باب ما جاء في فضل فاتحة الكتاب.