ركب متن الباطل كان سفيها ـ ولأنهم كانوا في رئاسة في قومهم ، ويسار ، وكان أكثر المؤمنين فقراء ، ومنهم موال ـ كصهيب ، وبلال ، وخبّاب ـ فدعوهم سفهاء تحقيرا لشأنهم! (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ).
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ ُسْتَهْزِؤُنَ)(١٤)
(وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا) أي : أظهروا لهم الإيمان ، والموالاة ، والمصافاة ـ نفاقا ، ومصانعة ، وتقيّة وليشركوهم فيما أصابوا من خير ومغنم ـ.
واعلم أنّ مساق هذه الآية بخلاف ما سيقت له أوّل قصة المنافقين ، فليس بتكرير. لأنّ تلك في بيان مذهبهم ، والترجمة عن نفاقهم ، وهذه لبيان تباين أحوالهم ، وتناقض أقوالهم ـ في أثناء المعاملة والمخاطبة ـ حسب تباين المخاطبين!
(وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) يقال : خلوت بفلان وإليه أي : انفردت معه ، ويجوز أن يكون من خلا بمعنى : مضى ، ومنه : القرون الخالية. والمراد ب (شَياطِينِهِمْ) : أصحابهم أولو التمرّد والعناد ، والشيطان يكون من الإنس والجنّ ، كما قال تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً) [الأنعام : ١١٢]. وإضافتهم إليهم للمشاركة في الكفر. واشتقاق شيطان من شطن ، إذا بعد ، لبعده من الصلاح والخير.
ومعنى (إِنَّا مَعَكُمْ) أي في الاعتقاد على مثل ما أنتم عليه ، إنّما نحن في إظهار الإيمان عند المؤمنين مستهزئون ساخرون بهم. والاستهزاء بالشيء السخرية منه. يقال : هزأت واستهزأت بمعنى.
القول في تأويل قوله تعالى :
(اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ)(١٥)
(اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) يسخر بهم للنقمة منهم ـ هكذا فسره ابن عباس رضي الله عنهما فيما رواه الضحّاك ـ (وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) يزيدهم على وجه