تعالى في سورة هود (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ ، قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ ، وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [هود : ١٣] ، و «الشهداء» جمع شهيد ، بمعنى : الحاضر ، أو القائم بالشهادة ، أو الناصر. و «من» لابتداء الغاية متعلّقة ب «ادعوا» والظرف مستقرّ. والمعنى : ادعوا ، متجاوزين الله تعالى للاستظهار ، من حضركم ـ كائنا من كان ـ أو الحاضرين في مشاهدكم ومحاضركم من رؤسائكم وأشرافكم ـ الذين تفزعون إليهم في الملمات ، وتعوّلون عليهم في المهمّات ـ أو القائمين بشهاداتكم الجارية فيما بينكم ـ من أمنائكم المتولّين لاستخلاص الحقوق ، بتنفيذ القول عند الولاة ـ أو القائمين بنصرتكم ـ حقيقة أو زعما ـ من الإنس والجن ليعينوكم. وإخراجه ، سبحانه وتعالى ، من حكم الدعاء في الأول ـ مع اندراجه في الحضور ـ لتأكيد تناوله لجميع ما عداه ، لا لبيان استبداده تعالى بالقدرة على ما كلفوه ، فإنّ ذلك مما يوهم أنهم لو دعوه تعالى لأجابهم إليه. وأمّا في سائر الوجوه : فللتصريح من أوّل الأمر ببراءتهم منه تعالى ، وكونهم في عدوة المحادّة والمشاقة له ، قاصرين استظهارهم على ما سواه ، والالتفات لإدخال الروعة ، وتربية المهابة (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أي : في زعمكم أنه من كلامه صلىاللهعليهوسلم ، واستلزام المقدّم للتالي من حيث إنّ صدقهم في ذلك الزعم يستدعي قدرتهم على الإتيان بمثله ، بقضية مشاركتهم له صلىاللهعليهوسلم في البشرية والعربية ، مع ما بهم من طول الممارسة للخطب والأشعار ، وكثرة المزاولة لأساليب النظم والنثر ، والمبالغة في حفظ الوقائع والأيام ، لا سيما عند المظاهرة والتعاون ـ ولا ريب في أن القدرة على الشيء من موجبات الإتيان به ، ودواعي الأمر به ـ.
القول في تأويل قوله تعالى :
(فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ
أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ)(٢٤)
(فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا) أي : ما أمرتم به من الإتيان بالمثل ، بعد ما بذلتم في السعي غاية المجهود (وَلَنْ تَفْعَلُوا) اعتراض بين جزأي الشرطية ، مقرر لمضمون مقدمها ، ومؤكد لإيجاب العمل بتاليها ، وهي معجزة باهرة : حيث أخبر بالغيب الخاص ـ علمه به عزوجل ـ وقد وقع الأمر كذلك (فَاتَّقُوا النَّارَ) جواب الشرط ، على أن اتقاء النار كناية عن الاحتراز من العناد ، إذ ـ بذلك ـ يتحقّق تسبّبه عنه ، وترتبه عليه ،