بِحافِظَةٍ قَلَّ أنْ يَتَمتّعَ بِها مَن كان في مِثلِ سِنِّهِ مِمّا جَعَلَهُ يَطوي مرحلة تَعلُّمِ القِراءَةِ والكِتابةِ في وَقْتٍ قصيرٍ جدّاً مِمّا لَمْ يُعهَدْ نَظِيْرُهُ مِنْ أقْرائِهِ.
وَكَانَ في تِلْكَ المَرحَلةِ وَهُوَ لَمّا يَطأ عَتَبةَ السّنِةِ العاشرة مِنْ عُمُرهِ المُباركِ يَحْفَظُ منْ شَواهِدِ الشّعْرِ وَروائع الأمْثالِ ما لا يَنقضي مِنهُ العَجَبُ مع حُضُورِ البَدِيهَةِ وَمُراعاِ مُطابَقَةِ الكَلامِ لِمُقتَضى الحالِ ؛ وَمِنْ آياتِ نُبُوغِهِ المُبَكّرِ في هذا الدّورِ ما حَدّثني به عَليْهِ الرّحمَةُ والرِضْوانُ أنّه كانَ المُجَدّدِ الشيرازي قدس سره ذلك المجلسِ الذي كان يعجُّ بالعُلَماءِ والفُقهاءِ وَمَنْ في مَعْناهُم.
وكَانَ عُمُرُ السَيِّدِ هِبَةِ الدّينِ ـ يومئذٍ ـ نحو ستِّ سِنينَ أو تَزيدُ قليلاً ـ والتردِيدُ منّي ـ وَكانَ للسّيّدِ المُجَدّدِ خَادِمٌ اسْمُهُ (بَدْرٌ).
قال السَيِّدُ : فَصاحَ بي الخادِمُ المَذْكُورُ ذاتَ يوْمٍ عَلى مرأى وَمَسْمَعٍ مِنَ السَيِّد (الحَسَنِ المُجُدّدِ) : كَيْفَ تَحْضرُ في هذا المَجلِسِ الخاصّ بالعُلَماءِ والأكابِر وَأنْتَ صَبيٌ صَغِيرٌ؟! فَتَمَثَّلْتُ في الحالِ رافعاً صَوْتي بقولِ الشّاعرِ القَدِيم :
ثَلاثةٌ يُذْهِبنَ عَنْ قَلْبي الحَزَنْ |
|
الماءُ والخَضْراءُ وَالوَجهُ (الْحسَنْ) |
وَلَمّا نَطَقْتُ بِكَلِمةِ (الحَسَن) أشَرْتُ إلى السّيّدِ المُجَدِّدِ الّذِي تُطابقُ هذهِ الكَلِمَةُ اسْمَهُ الشّريفَ ، وفيها مِنْ لُطْفِ التّوريةِ ما لا يَخفى ، فَصاحَ السّيّدُ المُجَدِّدُ بَه بَهْ بَهْ ، وَهِيَ عِبارَةُ اسْتِحْسانٍ وَتَعَجُّبٍ.
(قالَ السيّدُ) : وَعِنْدَها أمَرَ لي السَيِّد المُجَدِّدُ بِكَسْوَةٍ وَعَيّنَ لي راتِباً في تِلْكَ السّنِّ.