الأسماء لفلق المعقولات ، وذلك معروف باسم التحريك ، إذ لا تبرز صفة الكرم إلا بالخروج عن المال ، ولا تبرز الشحاعة إلا بالتضحية بالنفس ، ولا يبرز الحلم إلا بمواجهة الجهل فإن لم يجاهد القلب ظلت أسماء الله فيه معطلة ، فهو إن كان مؤمنا إلا أنه أقل درجة من المجاهد الذي فتق المعقولات ، واتصف بها ، فأحصى أسماء الله التسعة والتسعين ، فدخل جنة العلم.
٩٧ ، ٩٩ ـ (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً (٩٧) إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (٩٨) فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُوراً (٩٩))
[النساء : ٩٧ ، ٩٩]
ظلم النفس جهل ما فيها من كنوز العلوم الإلهية المودعة فيها مذ خلقت في الأزل من النفس الواحدة وزوجها ، ونتيجة هذا الظلم عدم تعرف الله والإسلام.
وقوله سبحانه : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) معناه دعوة الخاطر الإلهي والخاطر الملكي القلب إلى الهجرة في سبيل الله ، وعبر عنه بالضرب في الأرض ، والأرض البدن ، وعالم المادة ، إذ في هذا الضرب ضرب الخواطر بعضها ببعض كما ضرب موسى بعصا القدرة فإذا هي حية تسعى.
١٠٠ ـ (وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (١٠٠))
[النساء : ١٠٠]
الهجرة إلى الله ورسوله ثم الموت يعني وصول السالك إلى مقام موت النفس الجزئية ، وهو موت معنوي للمهاجرين ، وله ضروب منه الموت الأسود والموت الأحمر والموت الأبيض ، وجميعها تؤدي إلى انكشاف الحقيقة للسالك فإذا الأنا هو ، ولهذا جاء في الآية : (فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ) والله يغفر ذنب وجود العبد ويلحقه بوجوده هو ويرحمه رحمة تنجيه من نار الطبائع ويدخله جنة العلم والقرب.
١٠١ ـ (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً (١٠١))
[النساء : ١٠١]
الكلام عن محاربة الأسماء بعضها بعضا ، والسالك وإن كان يعلم أن الأسماء كلها لله ، وهذا ما عبر عنه في الآية بالصلاة ، فهو مدعو إلى المجاهدة لإتمام الهجرة.
١٠٢ ـ (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا