العلم الذي حصله القلب من تقلبه في الحياة الحسية والنظر في المعلومات والمعقولات ، فعند رفع الجزء يبقى الكلي ، وهو معنى قوله ، تعالى في موضع آخر : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ (٢٦) وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) [الرحمن : ٢٦ ، ٢٧] ، فللحق حق في الخلق ، وحقه أن تمده حقائق المعلومات بتفصيل ما كان في علمه مجملا ، ومثل الحق كمثل صاحب الزرع استودع الأرض البذور وسقاها ورعاها ، حتى إذا نبت النبات ونضج حصد الفلاح السنابل واستخرج محصوله فأكل منه.
١٨١،١٨٢ ـ (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٨١) فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٨٢))
[البقرة : ١٨١ ، ١٨٢]
تبديل الوصية تحريف الكلم عن مقصده ، فهذا الزرع الإلهي ملك صاحبه ، ولا يجوز لإنسان أن يستمسك به ويحتفظ به من دون إعادته إلى صاحبه.
١٨٣ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٨٣))
[البقرة : ١٨٣]
الصيام حبس الحواس الظاهرة والباطنة في وقت معلوم من أيام معدودات لصرف النظر إلى العالم الخارجي إلى العالم الباطني ، ومشكلة القلب تعلقه بعالم العيان حتى إنه ينسى عالم العين ، فيأكل العيان ، والصوم وحده هو الذي يرد الشاة الضالة إلى القطيع ، وكل صوم لا يؤتي أكله من النظر في داخل الذات فصاحبه ليس بصائم ، ولهذا قال عليهالسلام : (كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش).
١٨٤ ـ (أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٨٤))
[البقرة : ١٨٤]
أيام الصوم المعدودات هي الزمن الواجب تخصيصه للتفكير في آيات الله ظاهرة وباطنة ، والمريض هو الذي يحول المرض ، أي انشغال قلبه بأمر خارجي ، عن هذا التفكير ، والمسافر هو الذي استغرق في طلب العلم الخارجي ، وكلاهما معذور ، على أن يؤدي السفر إلى العودة إلى العالم الجواني ، فطلب العلم سنة ولو في الصين ، ولكن بعد استكمال التحصيل تنبغي العودة إلى مكة القلب وكعبة الذات.
١٨٥ ـ (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ