محجوبون بشق اسم دون الشق الثاني ، فكونه سبحانه الضار النافع يعني التوحيد وإتمام التسليم لله صاحب القبضة ، والوقوف مع شطر الاسم النافع دون التحقق بشطره الآخر هو الذي يحجب الإنسان عن الله ، فيكون أسير قرينه.
٢٠٩ ـ (فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٠٩))
[البقرة : ٢٠٩]
الزلل الخطأ ، والأمر تم لحكمة ، إذ لا يخرج سبحانه عليه شيء ، ولقد ربط الحق بين الزلل وكونه عزيزا حكيما ، فوردت صفة الحكمة التي هي هبة من الله لعبده ، ولا تحقق من غير زلل ، إذ في الخروج عودة إلى الدخول ، ولا صعود إلا بعد هبوط ، وبين هذا وذاك تكمن بذور الحكمة ، إذ لم يولد الحكيم من بطن أمه حكيما.
٢١٠ ـ (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٢١٠))
[البقرة : ٢١٠]
الغمام الستار بين الله والخلق ، وهو إشارة إلى العالم الحسي ، والملائكة حقائق المعقولات قبل الفتق ، فإذا استوى الرحمن على عرشه قضي الأمر بحجب القلب وأخذه.
٢١١ ـ (سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢١١))
[البقرة : ٢١١]
البينات ما يوجد في العالم الحسي من آيات دالة على صانع ، ومع هذا فصاحب الحواس بدل نعمة الله ، لأن الحواس نفسها من نعم الله ، وعلى صاحبها أن يعلم منشأها ومحركها ومعطيها قواها.
٢١٢ ـ (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٢١٢))
[البقرة : ٢١٢]
مد العينين إلى الدنيا من الزينة المهلكة ، والسخرية ممن مد عينيه إلى الآخرة نتيجة لمن اكتفى بالدنيا دون الآخرة ، والمتقون فوق المحجوبين لأنهم نصبوا جسورا بين المحسوسات والمعقولات ، فإذا جاء يوم القيامة انكشف الأمر فدك جبل العالم الحسي ، وبقيت حقائق المعقولات ، وهذه النتيجة هي الرزق الإلهي لذوي القلوب المؤهلة لاستقبال الأنوار.
٢١٣ ـ (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ