٢٣ ـ (وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ (٢٣))
[إبراهيم : ٢٣]
السّلام هو الذي قيل في إبراهيم والنار التي صارت سلاما عليه والسّلام نتيجة ونهاية رحلة التناقض الذي تمارسه الأسماء. فما دام الإنسان أسير التناقض والإزدواجية فهو في النار ، وهو في بئر جهنام البعيدة القعر ، فإذا كتبت له النجاة خرج من البئر كما خرج يوسف ، وأنقذ من نار التناقض وعذاب الإزدواجية ، فنعم من ثم بحياة هانئة هادئة ، يجد فيها السعادة والغبطة ، ويحقق حالة التوازن بين الذات والموضوع كما جاء في الفلسفة. قال اسبينوزا : الإنسان الحر الذي ينظر إلى جميع الناس على أنهم أجزاء من النظام العام لا يشعر إلا بالنشوة إزاء معرفته حتى ليستحيل عليه كراهية أحد من الناس.
٢٤ ، ٢٦ ـ (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ (٢٤) تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٥) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ (٢٦))
[إبراهيم : ٢٤ ، ٢٦]
الشجرة الطيبة اسم المؤمن الذي يخلق مؤمنا وهو في بطن أمه ، فهو تعين إلهي وظهور نوراني لهذا الاسم. والأصل الثابت كون هذا الاسم ممدودا أصلا بالنور ، فهو وإن ارتكب المخالفات محفوظا عقلا ونفسا وجسدا إلى أن يتحقق أمر الله فيه والفرع الظهور نفسه ، وضرب النبي صلىاللهعليهوسلم مثلا لهذا حين قال : (أنا أبو الأرواح وآدم أبو البشر) ، وقال : (أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر) ، وقال : (كنت نبيا وآدم منجدل في طينته) ، وسمي هذا الظهور في الفلسفة التجسد الدوري ، فهذا النور له ظهور في كل نبي وولي ، ولهذا قالت الصوفية : إن النبي محمد هو حقيقة كل نبي ورسول ، ونضيف : وهو حقيقة كل ولي عارف وارث أيضا.
والشجرة الخبيثة الفكر التي اجتثت من الفكر الكلي أو العقل الكلي ولهذا لم يرد في الآية وصف هذه الشجرة بأن لها أصلا ثابتا كالشجرة الطيبة ، بل ولم يرد أن لها فرعا أيضا ، بل ورد في وصفها أنها اجتثت من فوق الأرض. فالأرض لله والفكر قبس من الفكر الإلهي ولكنه فكر ضعيف كما قال جلال الدين الرومي. والفكر قد يذهب بصاحبه يمينا ، وقد يذهب به شمالا ، فلا أمان للفكر ، ولا أمان لصاحبه منه.
٢٧ ، ٢٩ ـ (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ (٢٧) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ