التي أسدلها الحق بينه وبين خلقه بقصد التعليم ، وإلى ذلك أشارت الآية بإرضاع الوالدات الأولاد ، فالعقل يأخذ من الخارج الانطباعات الحسية ، ولكن الأعيان الثابتة تثبت هذه الانطباعات في كليات سميت في الفلسفة الأفكار القبلية وما تميز الإنسان عن الحيوان إلا بحدوث عملية غربلة الانطباعات الحسية وتصنيفها إلى صفات معقولة من قبل القلب.
والصلة بين الوالدة والولد صلة العلة بالمعلول ، وهي صلة مشهورة في عالمي التصوف والفلسفة ، وملخصها أن العلة سبب وجود المعلول ، وأن المعلول سبب وجود العلة أيضا ، فهما متضايفان ، ولو لا معلولية المعلول ما كان لعلية العلة أن تمارس دورها ، ولو لا علية العلة ما كان لمعلولية المعلول أن تكون ، فالعلة والمعلول وجها قطعة نقود واحدة ، وكلا الوجهين مظهر للحق سبحانه.
٢٣٤ ـ (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٣٤))
[البقرة : ٢٣٤]
تربص الأرامل بأنفسهن ما يحمله القلب من آثار الإشراقات الروحية بعد الاتصال بالروح الكلي الذي هو روح القلب ، والتربص ضروري لظهور الحمل بعد التلقيح النفثي ، والعارف الواصل بحاجة إلى هذه المدة كي يسفر حمله ويظهر ، بعد أن يكون قد عاش تجربة الذوق العظمى التي لا تبقي ولا تذر.
٢٣٥ ـ (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (٢٣٥))
[البقرة : ٢٣٥]
أصل الانطلاق إلى عالم الحس الإيمان ، لذلك كان الخطاب موجها إلى المؤمنين لا إلى الملحدين الذين سواء عليهم رأوا الآيات أم لم يروا ، فالنتيجة واحدة وهي الإلحاد في أسمائه ، أي عدم الاعتراف بالكليات ثابتات سابقات على الوجود العياني والإنساني ، وهي إشعاع شمس الحق.
٢٣٦ ـ (لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (٢٣٦))
[البقرة : ٢٣٦]
طلاق النساء بمثابة الانفصال عن الكليات بعد إتمام تجريدها ، فالكليات حجاب إذا لم يتجاوزها المؤمن إلى ما بعدها أي الحق ، والآية لم تبخس الكليات ما لها من حق على القلب ، إذ لو لاها ما وصل القلب إلى أفق الروح ، ولا تعرف ولا رأى جماله ، قال الإمام