إحدى الجوارح والآلات ، وهو متقلب كما قال صلىاللهعليهوسلم : (القلب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء) ، فاليمين والشمال لله ، وهذا معنى الوحدانية والواحدية والتوحيد وقال البسطامي : أدخلني الله مدخلا رأيت الخلق كلهم بين الإصبعين ، وعلى هذا فأجهزة الجسم وحواسه باطنة وظاهرة ملك الله ، وكذلك النفس الحيوانية التي رمز إليها بالكلب الباسط ذراعيه.
وقوله : (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ) موجه إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، والنبي عارف مكاشف وإلا ما علم ، وعلمه الذوقي هو الذي أراه بعين البصيرة كيف تكون الجوارح والحواس مقلبة بالله ذات الشمال وذات اليمين ، والفرار والرعب هما مما يصيب المكاشف حين يعيش تجربة الكشف ، ففي المكاشفة خطاب وتكليم ، والكلام فيها قول ثقيل كما قال سبحانه : (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً (٥)) [المزمّل : ٥] ، وكثيرا ما حاولت العامة معرفة مكان الكهف ، وظنوه كهفا ، وما كان لله في حاجة إلى كهف ليرى الناس آياته فيه ، صحيح أننا لا ننكر ما جاء في كتب التاريخ عما حدث لفتية كانوا موحدين يعبدون الله في زمن فشت فيه عبادة الأوثان ، فأووا إلى كهف فرارا من أذى الناس ، وظلوا فيه نائمين قرونا ، ثم بعثوا وخرجوا من الكهف ، وأتوا الناس الذين لم يصدقوهم إلى آخر القصة ، ولكننا نقول أيضا إن للقصة مغزى وعبرة مثلما أن لكل ما ورد في القرآن من قصص إشارات ومعاني ومغزى ، والمغزى أن يكون الإنسان نفسه صاحب السر ، وأن يكون بدنه هو الكهف ، فعلى مستوى الجزئيات فالكهف كهف صغير ، وعلى مستوى الجمع فالناس جميعا كهف كبير ، وعلى مستوى الوجود فالوجود كله كهف وجودي عظيم ، والمطلوب فهم وإدراك ما يجري في أفلاك الوجود ، وكيف يجري بقصد وعن قصد إلى تحقيق القصد.
١٩ ـ (وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً (١٩))
[الكهف : ١٩]
البعث بعث المكاشف نفسه ، وهو ما سميناه القيامة الصغرى والساعة الصغرى ، وقلنا أن لا فرق في الحقيقة بين القيامة الصغرى والقيامة الكبرى ، ولا بين قيام الساعة الصغرى وقيام الساعة الكبرى ، كما أن النبي قال صلىاللهعليهوسلم في أبي بكر رضي الله عنه : (من أراد أن ينظر ميتا يمشي على الأرض فلينظر أبا بكر) ، وقال سبحانه في وصف من هداه إليه : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) [الأنعام : ١٢٢] ، والإشارات إلى أن الناس في غفلة ، وهم في غفلتهم موتى أو كالموتى ، فإذا عرفوا انتبهوا واستيقظوا ، وبعثوا بعثا جديدا بالعلم ومعرفة الله ، فكانت حياتهم هي الحياة الحقيقية أو وجودهم هو الوجود الإنساني الحقيقي العظيم.