٤٥ ـ (يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا (٤٥))
[مريم : ٤٥]
إذا قضى الله ببقاء الإنسان بعيدا عنه ، والبعد اسم من أسمائه تعالى ، جعل الشيطان له وليا ، فالأمر بين إصبعين من أصابع الرحمن كما جاء في الحديث.
٤٦ ـ (قالَ أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (٤٦))
[مريم : ٤٦]
الآلهة صور العالم الخارجي ، ولهذا فكم من الناس من مشركين وهم لا يعلمون ، فالله ما خلق هذا العالم ليعبد الإنسان هذا العالم بل ليستدل بالصناعة على الصانع وليعلمه ويعرفه فيعبده حق عبادته.
٤٧ ـ (قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا (٤٧))
[مريم : ٤٧]
لالقاء بين المشرك والمؤمن ، وخاصة من بلغ مقام اليقين كما بلغه إبراهيم عليهالسلام ، فوالد إبراهيم ظل يعبد أصنام مظاهر هذا العالم ، في حين توجه إبراهيم إلى عين الجمع ، ومن يعبد الذات لا يعبد الصفات ، والذات الحق والصفات البشر.
أما السّلام الذي ألقاه إبراهيم على أبيه فهو نتيجة حصول علم اليقين نفسه حيث توجد جنة التوحيد في نار التناقض والتضاد ، فمن دخل جنة التوحيد دخل من باب السّلام حتى وإن ظلت النار تحفه كما حدث لإبراهيم ، وقال هيغل : إن من يفهم فلسفته حق الفهم يجد السّلام حتى في التناقض ونار التناقض لأنه بمعرفة النقيض ينفك الإنسان من أسر هذا الأعور الدجال الذي يسوق الناس كالقطيع الذي يساق إلى الذبح.
٤٨ ، ٤٩ ـ (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا (٤٨) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنا نَبِيًّا (٤٩))
[مريم : ٤٨ ، ٤٩]
إسحاق ويعقوب إشارة إلى زيادة في العقل البشري الذي بلغ مرتبة العقل القدسي فصار يأخذ عنه ، بل صار هو هو ... ولهذا ختمت الآية بالقول : (وَكُلًّا جَعَلْنا نَبِيًّا ،) إذ من يبلغ عين اليقين فهو نبي أو عالم وارث.
٥٠ ـ (وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (٥٠))
[مريم : ٥٠]
لسان الصدق هو لسان الأنبياء الناطقين عن الحق ولهذا وصف هذا اللسان بالصدق ، فما يقوله النبي أو الوارث فالله وليهما ، وما دام الله الموحي والملهم فهو المسدد وهو الحق ، قال جلال الدين الرومي : كل من يتلقى من الله الوحي والجواب يكون كل ما يأمر به عين الصواب.