أم أبو علي بن سينا فقال ربما كنت مثله أو أفضل منه ، إلا أني أزيد عليه في الذوق والكشف.
ولقد ذكرنا ما حدث للنبي في قصة إبار النحل أي تلقيحه ، فالنبي عاش موقفا إنسانيا عاديا ، وقال قولا يحتمل الصحة كما يحتمل الغلط كما ورد في القصة ، وهذا ما حدث لداود حين قضى في حادث نفش القوم في الحرث أي الزرع فأكلته وأفسدته ، فقضى داود لصاحب الزرع أن يأخذ الغنم ، لكن ولده سليمان رأى رأيا آخر ، وما رآه سليمان هو أن ينتفع صاحب الزرع بدّر الغنم وصوفها ونسلها إلى أن يعود الزرع كما كان فيعيد الغنم من ثم إلى صاحبها ولما سمع داود بهذا القضاء قبله وأقره ، وقيل إنه رجع إلى ولده سليمان بوحي ، ولهذا التفسير لطيفة هي بيت القصيد من التوحيد ... وذلك أن النبي أو العارف يرجع إلى وحيه الذي هو الإلهام وقد رقى بصاحبه إلى مرتبة الخطاب والتكليم المباشرين ، وما يقوله الوحي هو القول الفصل ، وما يقوله هو الحكمة والصواب كما قال جلال الدين الرومي كل من يتلقى من الله الوحي والجواب يكون كل ما يأمر به عين الصواب ، ولهذا قلنا إن العلم اللدني يلهم صاحب العقيدة والشريعة والحكمة وقواعد الأخلاق.
فالنبي أو الولي له موقفان من القضايا ، موقف الإنسان العادي ، وقد يكون موقف فيلسوف من الفلاسفة أيضا ، ثم يكون له موقف الإنسان الكامل الذي يوحي إليه روحه الكلي ، وحين زار إبراهيم عليهالسلام ولده إسماعيل بمكة طرق باب بيته ، فخرجت إليه امرأته ، فسألها عن إسماعيل ، فقالت إنه خارج البيت ، ولم تدعه للدخول ولم تقم بحق الضيافة ، فقال إبراهيم لها إذا عاد قولي له أن يبدل أسكفة داره ، فلما عاد إسماعيل ، وسمع قول أبيه ، علم أن أباه يريده أن يطلق امرأته فطلقها وتزوج غيرها ، فإبراهيم قضى بطلاق المرأة السوء ، وهي قاعدة إستنها إبراهيم باعتباره نبيا يوحى إليه ، في حين أن إسماعيل لم يكن قد وصل المقام الذي يوحى إليه فيه.
وفي الحديث : (إن أبغض الحلال إلى الله الطلاق) ، فالله يبغض الطلاق ، ولكنه يقره باعتباره حلا لبعض الحالات ومنها كون المرأة سيئة ، ولسوئها عواقب كما حدث لنوح لما طغى الماء ، فهرع ولده إلى الجبل ليعصمه من الماء فناداه نوح فلم يجبه ، فدعا نوح ربه فكان جواب الحق : (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) [هود : ٤٦].
وثمة نكتة في الجواب ... ففي موضع آخر من القرآن جاء أن امرأة نوح كانت خائنة ، فخيانة امرأة نوح تمخضت عن ولادة ولد هو ليس من نسل نوح وهذا أمر لم يعلمه نوح ، وإليه أشار سبحانه بقوله : (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) [هود : ٤٦] أي أنه كان كافرا ، وقال صلىاللهعليهوسلم : (تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس) ، فالمرأة السوء قد تخون ، وقد تنتقل صفاتها أو بعضها إلى نسلها كما هو معلوم في علوم الصبغيات والجينات اليوم.