أظلّته سحابة ، فصارت عليه ظلّة. ثم لم يكتف بذلك حتى جعلها ظللا متراكمة مبالغة في الوصف. وحكي في ظلل ـ بضمتين ـ فقيل : يجوز أن يكون جمع ظلال ظلل ، فهو جمع الجمع ، وهذا مردود بقاعدة تصريفية ؛ وهو أن فعالا وفعالا إن كانا مضاعفين أو معتلّي اللام لزمهما الجمع على أفعلة نحو زمام وأزمّة. وقد يقال : لما ورد في لسانهم كما يشهد بذلك مساغ القول. وقد قالوا : عنان وعنن وحجاج وحجج. وكان الذي حمل هذا القائل ـ والله أعلم ـ على القول بذلك مع شذوذه أنّ هذا اللفظ قد ورد في صفة أهل النار بقوله لهم : (مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ)(١) جعل أطباق النار ـ أعاذنا الله منها ـ ظللا (٢) لمن فيها وبئس الظّلّ. فقوله : (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ) ظاهر ؛ فإنّ الظّلّة ما علا فأظلّ. وأمّا قوله : (وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ) فباعتبار من تحتهم من المعذّبين في الطبقة التي تحتهم ، فبالنسبة إلى من فوق هي كالأرض ، وإلى من تحت ظلّة ، وهذا كسقفين ؛ فإنّ الذي تحت يقال فيه ظلّة ، وغير ظلّة بالنسبة والإضافة ، وهذا كقوله تعالى في المعنى : (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ)(٣).
قوله : (عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ)(٤) هي سحابة أنشأها الله تعالى كان فيها عذاب مدين ؛ قيل : أصابهم ذلك اليوم حرّ عظيم إلى أن كادوا يهلكون ، فأرسل الله ظلّة كثيفة ، أي سحابة متراكمة ، فهرعوا إليها يستجيرون بها من الحرّ ، فلمّا تكاملوا تحتها أطبقت عليهم بعذابها ، فلم ير يوم مثله (٥). وحكى الفراء : أظلّ يومنا ، أي صار ذا ظلّ وهو السحاب. قوله تعالى : (انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ لا ظَلِيلٍ)(٦) سّماه ظلا تهكّما بهم أو في الصورة من حيث إنه متراكب لا شمس فيه. ثم لما وصفه بوصفين بكونه ظلا وبكونه [ساترا] نفى عنه هذين الوصفين ؛ فقال : ليس بظليل على ما يتعارفونه ، ونفى عنه فائدة الظلّ المتعارف ،
__________________
(١) ١٦ / الزمر : ٣٩.
(٢) في الأصل : ظلل.
(٣) ٥٤ و ٥٥ / العنكبوت : ٢٩.
(٤) ١٨٩ / الشعراء : ٢٦.
(٥) وانظر قصتهم في معجم أعلام القرآن.
(٦) ٣٠ و ٣١ / المرسلات : ٧٧.