ومن ذلك الغبار : لما يبقى من التراب المثار ، جاء على مثال الدّخان والعباب ونحوهما من بقايا الأشياء. وغبر الغبار : ارتفع. قال بعضهم : يقال للماضي غابر تصوّرا لمضيّ الغبار عن الأرض. وقيل للباقي غابر تصورا بتخلّف الغبار وما كان على لونه. وعليه قوله تعالى : (عَلَيْها غَبَرَةٌ)(١) كما وصفها بالسواد في موضع آخر. ويكنى بذلك عن تغيّر الوجه للغمّ والحزن ؛ يقال : غبر يغبر غبرة ، واغبرّ واغبارّ. وفي الحديث : («بفنائه أعنز درّهنّ غبر») (٢) أي قليلة. وقيل ذلك للونها. والغبراء : الأرض ، لما عليها من الغبار. وفي الحديث : «ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء ذا لهجة أصدق من أبي ذرّ» (٣). وأنشد لطرفة بن العبد (٤) : [من الطويل]
رأيت بني غبراء لا ينكرونني |
|
ولا أهل هذاك الطّراف الممدّد |
وفي الحديث : «إيّاكم والغبيراء فإنها خمر الأعاجم» (٥) فسّرها أبو عبيد فقال : هي ضرب من الشراب تتّخذه الحبشة من الذّرة وهي السّكركة. وبعضهم يتوهّم أنها الحشيش المتعارف بين الحرافيش. وقال الراغب (٦) : الغبيراء نبت معروف وثمر معروف على هيئته ولونه. ويقولون : أخذته داهية الغبر (٧) ، وهو من قولهم : غبر الشيء ، أي وقع في الغبار ، كأنها تغبّر الإنسان. وقيل : هي من الغبر أي البقية. قال : والمعنى : داهية باقية لا تنقضي ، أو من غبرة اللون ؛ كقولهم : داهية زبّاء ، أو من غبرة اللبن فكأنها الداهية التي إذا انقضت بقي لها أثر. أو من قولهم : عرق غبر ، أي ينتقض مرة بعد أخرى. وقد غبر العرق يغبر.
غ ب ن :
قوله تعالى : (ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ)(٨) هو تفاعل من الغبن. وفي التفسير : أنّ الرجل
__________________
(١) ٤٠ / عبس : ٨٠.
(٢) بياض في الأصل ، ومذكورة في م. النهاية : ٣ / ٣٣٨.
(٣) النهاية : ٣ / ٣٣٧ ، وفيه خلاف.
(٤) الديوان : ٤٢.
(٥) وكذا رواية الهروي. وفي النهاية (٣ / ٣٣٨): «فإنها خمر العالم».
(٦) المفردات : ٣٥٧.
(٧) داهية الغبر : البلية لا تكاد تذهب (اللسان ـ غبر).
(٨) ٩ / التغابن : ٦٤.