يكسب مالا عليه وزره ، فيعاقب به يوم القيامة. ثم يرى غيره قد ورث ذلك المال عنه ، فعمل فيه بالطاعة فيثاب عليه (١). فلا يرى أغبن منه حيث سعد غيره بما شقي هو به. وقال بعضهم : قيل ليوم القيامة يوم التّغابن لظهور الغبن في المبايعة المشار إليها بقوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ)(٢) وبقوله : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ) الآية (٣) والمشار إليها بقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً)(٤) فعلم أنّهم قد غبنوا فيما تركوا من المبايعة وفيما تعاطوه من ذلك جميعا. وقال بعضهم : معناه أنّ الأشياء تبدو لهم بخلاف ما قدّروها.
قلت : وهو في معنى قوله تعالى : (وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ)(٥) وقال بعضهم : لأنّ فيه يغبن أهل الجنة أهل النار ، وضرب الله الشّرى والبيع لذلك مثلا ، كما قال تعالى : (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ)(٦) وقال تعالى : (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ)(٧). وأصل الغبن : الإخفاء ، ومنه : الغبن ـ بالفتح ـ للموضع الذي يختفي فيه الشيء. وأنشد (٨) : [من البسيط]
لم أر مثل الفتيان في غبن ال |
|
أيام ينسون ما عواقبها |
ومغابن الإنسان : ما تثنّى من أعضائه كالفخذين والمرافق. ومنه قولهم في المرأة : طيّبة المغابن. ثم جعل الغبن عبارة عن تحسينك صاحبك في معاملة بينك وبينه بضرب من
__________________
(١) الجار والمجرور من : م.
(٢) ٢٠٧ / البقرة : ٢.
(٣) ١١١ / التوبة : ٩.
(٤) ٧٧ / آل عمران : ٣.
(٥) ٤٧ / الزمر : ٣٩.
(٦) ١٠ / الصف : ٦١.
(٧) ١٦ / البقرة : ٢.
(٨) من شواهد الفراء في معاني القرآن : ١ / ٢٤٥. والبيت لعدي بن زيد. والبيت ساقط من الأصل بياض فيه ، ومذكور في م ، وفي نسخه تشويش. وروايته كما في م :
لم أر مثل الفتيان في غبن الر |
|
رأي ينسى عواقبها |
بينما روايته عند الفراء : في غير. وبه لا شاهد فيه.