فقالوا : أفدناهم ما كان لنا وجعلناهم أسوة أنفسنا حتى لا يبقى لأحدنا غير غيّ صاحبه ، ولذلك ترى الأصدقاء لا يحبون أن يتخالفوا قولا ولا فعلا هدى كان أو ضلالا ، غيا أو رشدا. قوله حكاية عن إبليس : (وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ)(١) أي لأحملنّهم عليه ولأجعلنّهم غاوين عليه ظنا منه بذلك لما رأى وعرف من طباع الادميين الانقياد إليه ، وعليه قوله تعالى : (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ) الآية (٢). قوله : (فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)(٣) أي هلاكا. وقيل : عذابا. والمعنى سبب ذلك لأنّ الغيّ جهل من اعتقاد فاسد ، وذلك أنّ الجهل قد يكون من كون الإنسان غير معتقد اعتقادا لا صالحا ولا فاسدا. وقد يكون من اعتقاد شيء فاسد. فقوله : (فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) أي أثر (٤) غيّ ومسبّبه. وقال طرفة بن العبد (٥) : [من الرمل]
سادرا أحسب غيّي رشدا
وفي مقتل عثمان : «فتغاووا عليه حتى قتلوه» (٦) ، أي تعاونوا وغالوا ، وأصله تجاهلوا وتعاونوا بغيّهم ، والغواية : شدة الجهل. قال امرؤ القيس (٧) : [من الطويل]
وما إن أرى عنك الغواية تنجلي
وفى حديث عمر رضي الله عنه : «إنّ قريشا تريد أن تكون مغويات لمال الله» (٨) أي مهلكات. قال أبو عبيد : كذا روي ، والذي تكلمت به العرب مغوّيات ، والمغوّيات بفتح الواو وتشديدها ، واحدتها (٩) مغوّاة : وهو حفرة كالزّبية ؛ تحفر ويجعل فيها جدي ونحوه ،
__________________
(١) ٣٩ / الحجر : ١٥.
(٢) ٢٠ / سبأ : ٣٤.
(٣) ٥٩ / مريم : ١٩.
(٤) انفردت النسخة م بها.
(٥) صدر آخر قصيدته المشهورة «أصحوت اليوم ...» ، وعجزه كما في الديوان : ٨٣.
فتناهيت ، وقد صابت بقر
(٦) النهاية : ٣ / ٣٩٨.
(٧) الديوان : ٣٣ ، وصدره :
فقالت يمين الله مالك حيلة
(٨) النهاية : ٣ / ٣٩٨.
(٩) في الأصل : واحدها.