كان يتعزّز بذلك كله. ومثله قوله تعالى : (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى)(١) الآية. وقيل : الفرد الذي لا يخلط به غيره ، فهو أعمّ من الوتر ، ويقال له تعالى : فرد بمعنى أنه تعالى يخالف الأشياء كلّها في الازدواج المنبّه عليه بقوله تعالى : (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ)(٢) وقيل : الفرد هو المستغني عن كلّ شيء ، وقد نبّه عليه بقوله تعالى : (فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ)(٣). وإذا قيل : هو منفرد بوحدانيته فمعناه أنه مستغن عن كلّ تركيب وازدواج ، تنبيها أنه بخلاف كلّ موجود.
قوله : (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى)(٤). وقد فسّر انفرادهم بقوله : (وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ)(٥). وذلك أنّ الرجل في دنياه إنما يتعزّز بماله ورجاله ، وهؤلاء قد أتوا منكشفين من جميع ذلك ، واعترض بين المفسّر والمفسّر بالتشبيه في قوله : (كَما خَلَقْناكُمْ)(٦) أي عزلا ، فليتهم كما كانوا ، كذا جاء في الحديث.
وفرادى جمع فريد ؛ قالوا : نحو أسارى وأسير. وقال الفراء : قوم فرادى وفراد. لا يجرونها أي لا يصرفونها ، قال : تشبيها بثلاث ورباع ، قال : وواحدها فرد وفرد وفردان (٧). قال : ولا يجوز فرد في هذا المعنى.
قوله تعالى : (رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً)(٨) أي وحيدا من ولد يرثني. وفي الحديث : «طوبى للمفرّدين» (٩) قال أبو العباس عن ابن الأعرابي : فرّد الرجل : إذا تفقّه واعتزل الناس وخلا بمراقبة أوامر الله ونواهيه. القتيبيّ : هم الذين هلك لداتهم من الناس ومضى القرن
__________________
(١) ٩٤ / الأنعام : ٦.
(٢) ٤٩ / الذاريات : ٥١.
(٣) ٩٧ / آل عمران : ٣.
(٤) ٩٤ / الأنعام : ٦.
(٥) تتمة الآية السابقة.
(٦) من الآية السابقة. وانظر الحديث المراد مادة (غ ر ل) في النهاية : ٣ / ٣٦٢.
(٧) لم يذكرها الفراء (معاني القرآن : ١ / ٣٤٥) ، في حين أنها ذكرت في اللسان.
(٨) ٨٩ / الأنبياء : ٢١.
(٩) النهاية : ٣ / ٤٢٥.