والقادر يوصف به الإنسان حسبما تقدّم ، والقدير لا يوصف به إلا الله تعالى ، وذلك لما فيه من المبالغة ؛ قال الراغب (١) : والقدير هو الفاعل لما يشاء على قدر ما تقتضي الحكمة لا زائدا عليه ولا ناقصا عنه ، ولذلك لا يصحّ أن يوصف به غير الله تعالى. والمقتدر يقاربه لكن قد يوصف به البشر ، وإذا استعمل في الله فمعناه معنى القدير ، وإذا استعمل في البشر فمعناه المتكلّف المكتسب للقدرة. يقال : قدرت على كذا أقدره قدرا وقدرا وقدرة ومقدرة وقدرانا. يقال : اقدر بذرعك ، أي اقدر على الأمور بمقدار ما عندك من الاستقلال ، وأنشد لزهير (٢) : [من البسيط]
تعلّمن ، ها لعمر الله ذا قسما |
|
فاقدر بذرعك وانظر : أين تنسلك؟ |
ويروى : «فاقصد لذرعك» وهو في المعنى الأول.
وأقدرني الله وقدّرني على كذا ، أي قوّاني وجعل لي قدرة. وتقدير الله الأشياء على وجهين : أحدهما بإعطاء القدرة ، والثاني بأن يجعلها على مقدار مخصوص ووجه مخصوص حسبما اقتضت (٣) الحكمة. قال الراغب : وذلك أنّ فعله تعالى ضربان ؛ ضرب أوجده بالفعل ، ومعنى إيجاده بالفعل أن أبدعه كاملا دفعة لا تعتريه الزيادة والنقصان (٤) إلى أن يشاء أن يبدّله ويفنيه ، كالسموات وما فيها. وضرب جعل أصوله موجودة بالفعل وأجزاءه بالقوّة ، وقدّره على وجه لا يتأتّى غير ما قدّر فيه ، كتقديره في النّواة أن ينبت منها النّخل دون التّفّاح والزيتون ، وتقدير منيّ الآدميّ أن يكون منه الإنسان دون سائر الحيوان. فتقدير الله على وجهين أحدهما بالحكم منه أن يكون كذا أو لا يكون كذا ، إمّا على سبيل الوجوب وإمّا على سبيل الإمكان. وعلى ذلك قوله تعالى : (قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً)(٥) والثاني بإعطاء القدرة عليه.
__________________
(١) المفردات : ٣٩٤.
(٢) الديوان : ٨٨. ها : للتنبيه. الذرع : قدر الخطو.
(٣) وفي الأصل : اقتضى.
(٤) وفي الأصل : الكون والفساد ، والتصويب من المفردات : ٣٩٥.
(٥) ٣ / الطلاق : ٦٥.