قوله : (نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ)(١) أي حكمنا به وصرفناه بينكم فلا يختصّ به أحد من المخلوقين بعضهم دون بعض. وفيه منبهة على أنّ فيه حكمة وهو أنّ الله تعالى هو المقدّر له وليس كما زعم المجوس من قولهم : إنّ الله يخلق وإنّ ابليس يقتل. فانظر إلى هذا الكتاب العزيز كيف تعرّض لكلّ مذهب والردّ عليه قديما وحديثا؟
قوله : (فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ)(٢) تنبيه أنّ ما حكم به فهو محمود في حكمه ، ويجوز أن يكون في معنى (قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً).
قوله تعالى : (وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ)(٣) إشارة إلى قوله : (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ)(٤)(يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ)(٥) وأنه ليس أحد يمكنه معرفة ذلك على حقيقته ، وأنه جعل ذلك علامة على توقيت العبادة وغيرها. قوله : (مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ)(٦) إشارة إلى ما أوجد فيه بالقوّة فيظهر حالا فحالا إلى الوجود بالصورة.
قوله : (وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً)(٧) فقدر إشارة إلى ما سبق به القضاء والكتابة في اللوح المحفوظ ، وإشارة إلى قوله عليه الصلاة والسّلام «فرغ ربّك من أربع (٨) : الخلق والأجل والرزق». والمقدور إشارة إلى ما يحدث حالا فحالا ، وهو المشار إليه بقوله تعالى : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ)(٩) ، وعليه قوله : (وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ)(١٠). قال أبو الحسن (١١) : يقال : خذ بقدر كذا أو بقدر كذا.
__________________
(١) ٦٠ / الواقعة : ٥٦.
(٢) ٢٣ / المرسلات : ٧٧.
(٣) ٢٠ / المزمل : ٧٣.
(٤) ٥ / الزمر : ٣٩.
(٥) ٦١ / الحج : ٢٢.
(٦) ١٩ / عبس : ٨٠.
(٧) ٣٨ / الأحزاب : ٣٣.
(٨) الكلمة مذكورة في النسخة د فقط ، والحديث في المفردات : ٣٩٥ ، وتتمته : « ... والمقدور». بينما رواه أحمد في مسنده برواية أخرى.
(٩) ٢٩ / الرحمن : ٥٥.
(١٠) ٢١ / الحجر : ١٥.
(١١) الاسم ساقط من ح وس ، ومذكور في د.