ليس لوقوعها كذب أي هي كائنة لا بدّ منها ولا التفات إلى من كذّب بها ، وقيل : المعنى نفس كاذبة. وقيل : نسب الكذب إلى نفس الفعل كقولهم : فعلة صادقة وفعلة كاذبة.
قوله : (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا)(١) قرىء بالتّثقيل والتّخفيف أيضا (٢). والمعنى أنّهم قد كذبوا من جهة قومهم وأنّ قومهم كذّبوهم أي نسبوهم إلى التكذيب هذا في من ثقّل ، فأمّا قراءة التخفيف فاستشكلها جماعة ، وتكلّم بعض الناس فيها بما لا يليق ، والحقّ فيها أنّ معناها كذّبوا من جهة قومهم. وغلب على ظنّهم أنّ قومهم كذبوهم فيما وعدوا الرسل أنهم يؤمنون بهم. وعن عائشة رضي الله عنها : ((حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ)(٣) ممنّ كذّبهم من قومهم أن يصدّقوهم ، وظنّت الرسل أنّ من آمن منهم من قومهم قد كذّبوهم (جاءَهُمْ نَصْرُنا) عند ذلك) (٤). وروى ابن جرير عن ابن عباس أنّ الضمير في «ظنوا» للكفرة وفي أنهم «كذبوا» للرسل ؛ أي ظنّ قوم الرسل أنّ الرسل كذبوا فيما وعدوا به من نصرهم عليهم بإمهال الله تعالى إياهم ، وقيل : الضمائر كلّها للقوم ، أي أنّ الرسل وعدتهم العذاب إن لم يؤمنوا. فلما طال الأمر عليهم بالإمهال لا بالإهمال ظنّوا أنهم قد كذبوا فيما وعدتهم به الرسل من العذاب ، ولذلك كانوا يستعجلون به كما قال تعالى : (فَلا تَسْتَعْجِلُونِ)(٥) أي بالعذاب ، وهذا شأن المتمرّدين المغترّين بحلم الله عليهم. فنسأل الله تعالى ألّا يجعلنا ممّن يملى لهم ويستدرجهم من حيث لا يعلمون. وقد تكلمت في هذه الآية كلاما مشبعا في «الدرّ» و «العقد» و «التفسير الكبير» بما يليق بكلّ منها ، وهذا القدر هنا كاف.
قوله : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً)(٦) قرىء بالتشديد بمعنى التكذيب ، والمعنى : لا يكذبون فيكذّب بعضهم بعضا ، ونفي التكذيب عن الجنة يقتضي نفي الكذب
__________________
(١) ١١٠ / يوسف : ١٢.
(٢) قرأها أهل المدينة بالتثقيل وقرأها ابن عباس بالتخفيف (معاني القرآن : ٢ / ٥٦).
(٣) ١١٠ / يوسف : ١٢ ، والآية والحديث والتعليق من اللسان ـ مادة كذب. ويقول : وكانت تقرؤه بالتشديد ، وهي قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو .. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي «كذبوا» بالتخفيف.
(٤) ساقط من ح ما بين قوسين.
(٥) ٣٧ / الأنبياء : ٢١.
(٦) ٣٥ / النبأ : ٧٨.