عنها ، قاله الراغب (١) ، وهو صحيح في هذه المادة التي نحن فيها ، وأما في غيرها فلو قيل : لا تكذيب في الدار ، لا يلزم منه نفي الكذب من أصله. وقال الهرويّ في قوله : (وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً)(٢) ، وقرىء مخففا (٣). قال : وفعّال في مصدر فعّل أكثر من فعل (يعني أنّ مصدر فعّل مشدّدا على فعّال مشدّدا أكثر منه على فعال) (٤) مخففا ، وفيه نظر من وجهين : أحدهما أنه لم يقرأ بذلك إلا في قوله «ولا كذّابا». والثاني أن فعلا مخففا ليس مصدر الفعل المشدّد.
قوله : (بِدَمٍ كَذِبٍ)(٥) أي ذي كذب ، أي مكذوب فيه ، أو جعل نفس الدم كذبا مبالغة ، نحو : رجل عدل وصوم ، وتقدّم أنه قرىء بالدال المهملة.
قوله : (ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ)(٦) أي كاذب صاحبها خاطىء ، فنسب الكذب إليها مبالغة نحو : نهاره صائم. وقيل : عبّر بالبعض عن الكلّ وأتى بأشرف ما فيه وأعلى ، فوصفه بأقبح الصفات وهو الكذب والخطأ ، وفي الحديث عنه عليه الصلاة والسّلام : «كذب عليك الحجّ» (٧) قال بعضهم : معناه وجب عليك فعليك به ، قال : وحقيقته أنه في حكم الفائت لبطء وقته كقولك : قد فات الحجّ فبادر أي كاد يفوت. و «كذب عليك العسل» (٨) أي عليك العسل ، فهو إغراء ، واختلف الناس فيما بعد عليك من هذا الكلام ؛ فبعضهم يرويه بالرفع على أنه فاعل «كذب» ويقول : هو بمعنى وجب ونقل عن معناه الأصلي إلى هذا المعنى ، ووجه النقل ما قدّمته من البطء ؛ قال الهرويّ : وفي حديث عمر «كذب عليكم الحجّ ، كذب عليكم الجهاد» قال أبو عبيد : قال الأصمعيّ : معناه الإغراء ، قال : وكان وجهه النّصب ولكنه
__________________
(١) المفردات : ٤٢٧.
(٢) ٢٨ / النبأ : ٧٨.
(٣) خففها علي «كذابا» ، وثقلها عاصم والأعمش والحسن البصري وأهل المدينة (معاني القرآن للفراء : ٣ / ٢٢٩). وضم الكاف مع التشديد عمر بن عبد العزيز والماجشون (مختصر الشواذ : ١٦٨).
(٤) ما بين قوسين من النسخة د ، ولعل ناسخها أضاف من عنده للشرح.
(٥) ١٨ / يوسف : ١٢.
(٦) ١٦ / العلق : ٩٦.
(٧) النهاية : ٤ / ١٥٨.
(٨) المصدر السابق ، يريد مشي الذئب.