(وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ (٢٧) وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ) (٢٨)
سفّاكا للدماء في أهون شيء ، فكيف لا يقتل من أحسّ بأنه هو الذي يهدم ملكه ، ولكنه (١) كان يخاف إن همّ بقتله أن يعاجل بالهلاك ، وقوله (وَلْيَدْعُ رَبَّهُ) شاهد صدق على فرط خوفه منه ومن دعوته ربّه ، وكان قوله : ذروني أقتل موسى تمويها على قومه وإيهاما أنهم هم الذين يكفّون (٢) ، وما كان يكفّه إلا ما في نفسه من هول الفزع (إِنِّي أَخافُ) إن لم أقتله (أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ) أن يغير ما أنتم عليه ، وكانوا يعبدونه ويعبدون الأصنام (أَوْ أَنْ يُظْهِرَ) موسى (فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ) بضمّ الياء ونصب الدال مدني وبصري وحفص ، وغيرهم بفتح الياء ورفع الدال ، والأول أولى لموافقة يبدّل ، والفساد في الأرض التقاتل والتهارج (٣) الذي يذهب معه الأمن ، وتتعطل المزارع والمكاسب والمعايش ويهلك الناس قتلا وضياعا ، كأنه قال إني أخاف أن يفسد عليكم دينكم بدعوتكم إلى دينه ، أو يفسد عليكم دنياكم بما يظهر من الفتن بسببه ، وقرأ غير أهل الكوفة وأن ، ومعناه إني أخاف فساد دينكم ودنياكم معا.
٢٧ ـ (وَقالَ مُوسى) لما سمع بما أجراه فرعون من حديث قتله لقومه (إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ) وفي قوله وربّكم بعث لهم على أن يقتدوا به فيعوذوا بالله عياذه ، ويعتصموا بالتوكّل عليه اعتصامه ، وقال من كلّ متكبّر لتشمل استعاذته فرعون وغيره من الجبابرة ، وليكون على طريقة التعريض فيكون أبلغ ، وأراد بالتكبّر الاستكبار عن الإذعان للحقّ ، وهو أقبح استكبار ، وأدلّه (٤) على دناءة صاحبه وعلى فرط ظلمه ، وقال : لا يؤمن بيوم الحساب ؛ لأنه إذا اجتمع في الرجل التكبّر والتكذيب بالجزاء وقلة المبالاة بالعاقبة فقد استكمل أسباب القسوة والجراءة على الله وعباده ، ولم يترك عظيمة إلا ارتكبها ، وعذت ولذت أخوان. وعدت بالإدغام أبو عمرو وحمزة وعليّ.
٢٨ ـ (وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ) قيل : كان قبطيا ابن
__________________
(١) في (ظ) و (ز) ولكن.
(٢) في (ظ) و (ز) يكفونه.
(٣) في (ز) التهايج ، والهرج : الفتنة والاختلاط.
(٤) في (ز) وأدل.