(فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (١١) لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (١٢)
فقولوا الله أعلم كمعرفة الروح وغيره.
١١ ـ (فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ارتفاعه على أنه أحد أخبار ذلكم ، أو خبر مبتدأ محذوف (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) خلق لكم من جنسكم من الناس (أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً) أي وخلق للأنعام أيضا من أنفسها أزواجا (يَذْرَؤُكُمْ) يكثّركم ، يقال ذرأ الله الخلق بثّهم وكثّرهم (فِيهِ) في هذا التدبير ، وهو أن جعل الناس والأنعام أزواجا حتى كان بين ذكورهم وإناثهم التوالد والتناسل ، واختير فيه على به لأنه جعل هذا التدبير كالمنبع والمعدن للبثّ والتكثير ، والضمير في يذرؤكم يرجع إلى المخاطبين والأنعام مغلّبا فيه المخاطبون العقلاء على الغيّب مما لا يعقل (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) قيل إنّ كلمة التشبيه كرّرت لتأكيد نفي التماثل ، وتقديره ليس مثله شيء ، وقيل المثل زيادة وتقديره ليس كهو شيء ، كقوله تعالى : (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ) (١) وهذا لأنّ المراد نفي المثليّة ، وإذا لم تجعل الكاف أو المثل زيادة كان إثبات المثل ، وقيل المراد ليس كذاته شيء ، لأنهم يقولون مثلك لا يبخل ، يريدون به نفي البخل عن ذاته ، ويقصدون المبالغة في ذلك بسلوك طريق الكناية لأنهم إذا نفوه عمن يسدّ مسدّه فقد نفوه عنه ، فإذا علم أنه من باب الكناية لم يقع فرق بين قوله ليس كالله شيء وبين قوله ليس كمثله شيء إلّا ما تعطيه الكناية من فائدتها ، وكأنهما عبارتان معتقبتان على معنى واحد ، وهو نفي المماثلة عن ذاته ، ونحوه : (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ) (٢) فمعناه بل هو جواد من غير تصوّر يد ولا بسط لها ، لأنها وقعت عبارة عن الجود حتى إنهم استعملوها فيمن لا يد له ، فكذلك استعمل هذا فيمن له مثل ومن لا مثل له (وَهُوَ السَّمِيعُ) لجميع المسموعات بلا أذن (الْبَصِيرُ) بجميع (٣) المرئيات بلا حدقة ، وكأنه ذكرهما لئلا يتوهّم أنه لا صفة له كما لا مثل له.
١٢ ـ (لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) مرّ في الزّمر (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) أي يضيّق (إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
__________________
(١) البقرة ، ٢ / ١٣٧.
(٢) المائدة ، ٥ / ٦٤.
(٣) في (ظ) و (ز) لجميع.