(وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) (٥١)
بالإناث ، وبعضا بالذكور ، وبعضا بالصنفين جميعا ، ويجعل البعض عقيما ، والعقيم التي لا تلد ، وكذلك رجل عقيم إذا كان لا يولد له ، وقدّم الإناث أولا على الذكور لأنّ سياق الكلام أنه فاعل لما يشاؤه لا ما يشاؤه الإنسان فكان ذكر الإناث اللاتي من جملة ما لا يشاؤه الإنسان أهمّ والأهمّ واجب التقديم وليلي الجنس الذي كانت العرب تعدّه بلاء ، ذكر البلاء. ولمّا أخّر الذكور وهم أحقاء بالتقديم تدارك تأخيرهم بتعريفهم لأنّ التعريف تنويه وتشهير ، ثم أعطى بعد ذلك كلا الجنسين حقّه من التقديم والتأخير وعرّف أنّ تقديمهنّ لم يكن لتقدّمهنّ ولكن لمقتض آخر فقال ذكرانا وإناثا. وقيل نزلت في الأنبياء عليهمالسلام حيث وهب للوط وشعيب إناثا ولإبراهيم ذكورا ولمحمد صلىاللهعليهوسلم ذكورا وإناثا ، وجعل يحيى وعيسى عليهماالسلام عقيمين (إِنَّهُ عَلِيمٌ) بكلّ شيء (قَدِيرٌ) قادر على كلّ شيء.
٥١ ـ (وَما كانَ لِبَشَرٍ) وما صحّ لأحد من البشر (أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً) أي إلهاما ، كما روي : (نفث في روعي) (١) أو رؤيا في المنام كقوله عليهالسلام : (رؤيا الأنبياء وحي) (٢) وهو كأمر إبراهيم عليهالسلام بذبح الولد (أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) أي يسمع كلاما من الله كما سمع موسى عليهالسلام من غير أن يبصر السامع من يكلّمه. وليس المراد به حجاب الله تعالى لأنّ الله تعالى لا يجوز عليه ما يجوز على الأجسام من الحجاب ولكن المراد به أنّ السامع محجوب عن الرؤية في الدنيا (أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً) أي يرسل ملكا (فَيُوحِيَ) الملك (٣) إليه ، وقيل وحيا كما أوحي إلى الرسل بواسطة الملائكة ، أو يرسل رسولا أي نبيا كما كلّم أمم الأنبياء على ألسنتهم. ووحيا وأن يرسل مصدران واقعان موقع الحال ، لأن أن يرسل في معنى إرسالا ، ومن وراء حجاب ظرف واقع موقع الحال كقوله : (وَعَلى جُنُوبِهِمْ) (٤) والتقدير وما صحّ أن يكلّم أحدا إلا موحيا ، أو مسمعا من وراء حجاب ، أو مرسلا ، ويجوز أن يكون المعنى وما كان لبشر أن يكلّمه الله إلّا بأن يوحى ، أو أن يسمع من وراء حجاب ، أو أن يرسل رسولا وهو اختيار الخليل ، أو يرسل رسولا فيوحى بالرفع نافع على تقدير
__________________
(١) كنز العمال ٤ / ٩٣١١.
(٢) الحاكم في مستدركه عن ابن عباس وصححه وسكت عنه الذهبي في التلخيص.
(٣) في (ظ) و (ز) أي الملك.
(٤) آل عمران ، ٣ / ١٩١.