(لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا)(٢٧)
الله الرحمن الرحيم ، والإضافة إلى التقوى باعتبار أنها سبب التقوى وأساسها ، وقيل كلمة أهل التقوى (وَكانُوا) أي المؤمنون (أَحَقَّ بِها) من غيرهم (وَأَهْلَها) بتأهيل الله إياهم (وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) فيجري الأمور على مصالحها.
٢٧ ـ (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا) أي صدقه رؤياه ولم يكذبه تعالى الله عن الكذب ، فحذف الجار وأوصل الفعل كقوله : (صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ) (١) روي أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم رأى قبل خروجه إلى الحديبية كأنه وأصحابه قد دخلوا مكة آمنين وقد حلقوا وقصّروا ، فقصّ الرؤيا على أصحابه ، ففرحوا وحسبوا أنهم داخلوها في عامهم وقالوا : إنّ رؤيا رسول الله صلىاللهعليهوسلم حق ، فلما تأخر ذلك قال عبد الله بن أبيّ وغيره : والله ما حلقنا ولا قصّرنا ولا رأينا المسجد الحرام فنزلت (٢) (بِالْحَقِ) متعلق بصدق أي صدقه فيما رأى وفي كونه وحصوله صدقا ملتبسا بالحقّ أي بالحكمة البالغة ، وذلك ما فيه من الابتلاء والتمييز بين المؤمن المخلص (٣) وبين من في قلبه مرض ، ويجوز أن يكون بالحقّ قسما إما بالحقّ الذي هو نقيض الباطل أو بالحقّ الذي هو من أسمائه ، وجوابه (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) وعلى الأول هو جواب قسم محذوف (إِنْ شاءَ اللهُ) حكاية من الله تعالى قول (٤) رسوله لأصحابه وقصّهم عليه (٥) ، أو تعليم لعباده أن يقولوا في عداتهم مثل ذلك متأدبين بأدب الله ومقتدين بسنته (آمِنِينَ) حال ، والشرط معترض (مُحَلِّقِينَ) حال من الضمير في آمنين (رُؤُسَكُمْ) أي جميع شعورها (وَمُقَصِّرِينَ) بعض شعورها (لا تَخافُونَ) حال مؤكدة (فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا) من الحكمة في تأخير فتح مكة إلى العام القابل (فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ) أي من دون فتح مكة (فَتْحاً قَرِيباً) وهو فتح خيبر لتستروح إليه قلوب المؤمنين إلى أن يتيسر الفتح الموعود.
__________________
(١) الأحزاب ، ٣٣ / ٢٣.
(٢) روى الطبري والبيهقي في الدلائل نحوه وليس فيه قول المشككين.
(٣) في (ظ) و (ز) الخالص.
(٤) في (ز) ما قال.
(٥) في (ظ) وقصته عليهم ، وفي (ز) وقص عليهم.