(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ) (١)
فارقتهم ، ولكني كنت امرأ ملصقا في قريش ، ولم أكن من أنفسها ، وكل من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون أهاليهم وأموالهم غيري ، فخشيت على أهلي ، فأردت أن أتخذ عندهم يدا ، وقد علمت أنّ الله ينزل عليهم بأسه ، وأنّ كتابي لا يغني عنهم شيئا ، فصدقه وقبل عذره ، فقال عمر رضي الله عنه : دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق ، فقال صلىاللهعليهوسلم : (وما يدريك يا عمر لعلّ الله قد اطلع على أهل بدر فقال لهم : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) ففاضت عينا عمر رضي الله عنه (١) ، فنزل :
١ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ) عدّي اتخذ إلى مفعوليه ، وهما عدوّي وأولياء ، والعدوّ فعول من عدا كعفوّ من عفا ، ولكنه على زنة المصدر أوقع على الجمع إيقاعه على الواحد ، وفيه دليل على أنّ الكبيرة لا تسلب اسم الإيمان (تُلْقُونَ) حال من الضمير في لا تتخذوا ، والتقدير لا تتخذوهم أولياء ملقين (إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) أو مستأنف بعد وقف على التوبيخ ، والإلقاء عبارة عن إيصال المودة والإفضاء بها إليهم ، والباء في بالمودة زائدة مؤكدة للتعدّي كقوله : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) (٢) أو ثابتة على أنّ مفعول تلقون محذوف معناه تلقون إليهم أخبار رسول الله صلىاللهعليهوسلم بسبب المودة التي بينكم وبينهم (وَقَدْ كَفَرُوا) حال من لا تتخذوا أو من تلقون ، أي لا تتولوهم أو توادّونهم وهذه حالهم (بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِ) دين الإسلام والقرآن (يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ) استئناف كالتفسير لكفرهم وعتوّهم ، أو حال من كفروا (أَنْ تُؤْمِنُوا) تعليل ليخرجون أي يخرجونكم من مكة لإيمانكم (بِاللهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ) متعلق بلا تتخذوا ، أي لا تتولوا أعدائي إن كنتم أوليائي ، وقول النحويين في مثله هو شرط جوابه محذوف لدلالة ما قبله عليه (جِهاداً فِي سَبِيلِي) مصدر في موضع الحال ، أي إن كنتم خرجتم مجاهدين في سبيلي (وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي) ومبتغين مرضاتي (تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) أي تفضون إليهم بمودتكم سرا ، أو تسرّون
__________________
(١) رواه الطبري بنحوه عن علي رضي الله عنه وعن عروة بن الزبير وقتادة.
(٢) البقرة ، ٢ / ١٩٥.