(كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (٣) إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ (٤) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (٥) وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ)(٦)
٣ ـ (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ) قصد في كبر التعجب من غير لفظه ، كقوله (١) : غلت ناب كليب بواؤها. ومعنى التعجب تعظيم الأمر في قلوب السامعين ، لأن التعجب لا يكون إلا من شيء خارج عن نظائره ، وأسند إلى أن تقولوا ، ونصب مقتا على التمييز ، وفيه دلالة على أنّ قولهم ما لا يفعلون مقت خالص لا شوب فيه ، والمعنى كبر قولكم ما لا تفعلون مقتا عند الله ، واختير لفظ المقت لأنه أشدّ البغض ، وعن بعض السلف أنه قيل له حدّثنا ، فقال : أتأمرونني أن أقول ما لا أفعل فأستعجل مقت الله. ثم أعلم الله عزوجل ما يحبّه فقال :
٤ ـ (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا) أي صافين أنفسهم ، مصدر وقع موقع الحال (كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ) لاصق بعضه ببعض ، وقيل أريد به استواء نياتهم في حرب عدوّهم حتى يكونوا في اجتماع الكلمة كالبنيان الذي رصّ بعضه إلى بعض ، وهو حال أيضا.
٥ ـ (وَإِذْ) منصوب باذكر (قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي) بجحود الآيات والقذف بما ليس فيّ (وَقَدْ تَعْلَمُونَ) في موضع الحال ، أي لم تؤذونني عالمين علما يقينا (أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ) وقضية علمكم بذلك توقيري وتعظيمي لا أن تؤذوني (فَلَمَّا زاغُوا) مالوا عن الحقّ (أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) من الهداية ، أو لما تركوا أوامره نزع نور الإيمان من قلوبهم ، أو فلما اختاروا الزيغ أزاغ الله قلوبهم ، أي خذلهم وحرمهم توفيق اتباع الحقّ (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) أي لا يهدي من سبق في علمه أنه فاسق.
٦ ـ (وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ) ولم يقل يا قوم كما قال موسى ،
__________________
(١) لم أصل إلى أصله.