(وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا (٢٤) مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَارًا (٢٥) وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (٢٦) إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (٢٧) رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا) (٢٨)
٢٤ ـ ٢٥ ـ (وَقَدْ أَضَلُّوا) أي الأصنام كقوله : (إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ) (١) (كَثِيراً) من الناس أو الرؤساء (وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ) عطف على ربّ إنهم عصوني على حكاية كلام نوح عليهالسلام بعد قال وبعد الواو النائبة عنه ، ومعناه قال ربّ إنهم عصوني وقال لا تزد الظالمين أي قال هذين القولين ، وهما في محل النصب لأنهما مفعولا قال (إِلَّا ضَلالاً) هلاكا كقوله : ولا تزد الظالمين إلا تبارا (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ) خطاياهم أبو عمرو ، أي ذنوبهم (أُغْرِقُوا) بالطوفان (فَأُدْخِلُوا ناراً) عظيمة ، وتقديم مما خطيئاتهم لبيان أن لم يكن إغراقهم بالطوفان وإدخالهم في النيران إلا من أجل خطيئاتهم ، وأكد هذا المعنى بزيادة ما ، وكفى بها مزجرة لمرتكب الخطايا ، فإنّ كفر قوم نوح كان واحدة من خطيئاتهم وإن كانت كبراهنّ ، والفاء في فأدخلوا للإيذان بأنهم عذّبوا بالإحراق عقيب الإغراق فيكون دليلا على إثبات عذاب القبر (فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْصاراً) ينصرونهم ويمنعونهم من عذاب الله.
٢٦ ـ ٢٧ ـ (وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) أي أحدا يدور في الأرض ، وهو فيعال من الدّور ، وهو من الأسماء المستعملة في النفي العام (إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ) ولا تهلكهم (يُضِلُّوا عِبادَكَ) يدعوهم إلى الضلال (وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً) إلا من إذا بلغ فجر وكفر ، وإنما قال ذلك لأنّ الله تعالى أخبره بقوله : (لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ) (٢).
٢٨ ـ (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَ) وكانا مسلمين واسم أبيه لمك واسم أمه شمخاء ، وقيل هما آدم وحواء ، وقرىء ولولديّ يريد ساما وحاما (وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ) منزلي أو مسجدي أو سفينتي (مُؤْمِناً) لأنه علم أنّ من دخل بيته مؤمنا لا يعود إلى الكفر (وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) إلى يوم القيامة ، خصّ أولا من يتصل به لأنهم أولى وأحقّ بدعائه ، ثم عمّ المؤمنين والمؤمنات (وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ) أي الكافرين (إِلَّا تَباراً) هلاكا ، فأهلكوا. قال ابن عباس رضي الله عنهما : دعا نوح عليهالسلام بدعوتين
__________________
(١) إبراهيم ، ١٤ / ٣٦.
(٢) هود ، ١١ / ٣٦.