(كَلَّا وَالْقَمَرِ (٣٢) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (٣٣) وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (٣٤) إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (٣٥) نَذِيرًا لِّلْبَشَرِ (٣٦) لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ) (٣٧)
مكية! قلت : معناه وليقول المنافقون الذين يظهرون في المستقبل بالمدينة بعد الهجرة والكافرون بمكة (ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً) وهذا إخبار بما سيكون كسائر الإخبارات بالغيوب وذا لا يخالف كون السورة مكية ، وقيل المراد بالمرض الشكّ والارتياب ، لأن أهل مكة كان أكثرهم شاكين ، ومثلا تمييز لهذا أو حال منه كقوله : (هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً) (١) ولما كان ذكر هذا (٢) العدد في غاية الغرابة وأنّ مثله حقيق بأن تسير به الركبان سيرها بالأمثال سمّي مثلا ، والمعنى أي شيء أراد الله بهذا العدد العجيب وأي معنى أراد في أن جعل الملائكة تسعة عشر لا عشرين؟ وغرضهم إنكاره أصلا وأنه ليس من عند الله وأنه لو كان من عند الله لما جاء بهذا العدد الناقص (كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ) الكاف نصب ، وذلك إشارة إلى ما قبله من معنى الإضلال والهدى أي مثل ذلك المذكور من الإضلال والهدى ، يعني إضلال المنافقين والمشركين حتى قالوا ما قالوا ، وهدى المؤمنين بتصديقه ورؤية الحكمة في ذلك يضلّ الله من يشاء من عباده وهو الذي علم منه اختيار الضلال (وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) وهو الذي علم منه اختيار الاهتداء ، وفيه دليل خلق الأفعال ووصف الله بالهداية والإضلال. لما قال أبو جهل لعنه الله : أما لرب محمد أعوان إلّا تسعة عشر نزل (وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ) لفرط كثرتها (إِلَّا هُوَ) فلا يعزّ عليه تتميم الخزنة عشرين ولكن له في هذا العدد الخاصّ حكمة لا تعلمونها (وَما هِيَ) متصل بوصف سقر ، وهي ضميرها ، أي وما سقر وصفتها (إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ) أي تذكرة للبشر ، أو ضمير الآيات التي ذكرت فيها.
٣٢ ـ ٣٧ ـ (كَلَّا) إنكار بعد أن جعلها ذكرى أن تكون لهم ذكرى لأنهم لا يتذكرون (وَالْقَمَرِ) أقسم به لعظم منافعه (وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ) نافع وحفص وحمزة ويعقوب وخلف ، وغيرهم إذا دبر ودبر بمعنى أدبر ومعناهما ولّى وذهب ، وقيل أدبر ولّى ومضى ودبر جاء بعد النهار (وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ) أضاء ، وجواب القسم (إِنَّها) إنّ سقر (لَإِحْدَى الْكُبَرِ) هي جمع الكبرى أي لإحدى البلايا أو الدواهي الكبر ، ومعنى كونها إحداهنّ أنها من بينهن واحدة في العظم لا نظيرة لها ، كما تقول هو أحد الرجال
__________________
(١) الأعراف ، ٧ / ٧٣. هود ، ١١ / ٦٤.
(٢) ليس في (ظ) و (ز) هذا.