(فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (٤٨) فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (٤٩) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ (٥٠) فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ (٥١) بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَى صُحُفًا مُّنَشَّرَةً (٥٢) كَلَّا بَل لَا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ (٥٣) كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (٥٤) فَمَن شَاء ذَكَرَهُ (٥٥) وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) (٥٦)
٤٨ ـ ٥٢ ـ (فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ) من الملائكة والنبيين والصالحين لأنها للمؤمنين دون الكافرين ، وفيه دليل ثبوت الشفاعة للمؤمنين ، في الحديث : (إنّ من أمتي من يدخل الجنة بشفاعته أكثر من ربيعة ومضر) (١) (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ) عن التذكير ، وهو العظة أي القرآن (مُعْرِضِينَ) مولّين حال من الضمير نحو ما لك قائما (كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ) أي حمر الوحش حال من الضمير في معرضين (مُسْتَنْفِرَةٌ) شديدة النّفار كأنها تطلب النفار من نفوسها. وبفتح الفاء مدني وشامي أي استنفرها غيرها (فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ) حال ، وقد معها مقدرة ، والقسورة : الرماة أو الأسد فعولة من القسر وهو القهر والغلبة ، شبهوا في إعراضهم عن القرآن واستماع الذكر بحمر جدّت في نفارها (بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً) قراطيس تنشر وتقرأ ، وذلك أنهم قالوا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : لن نتّبعك حتى تأتي كلّ واحد منا بكتب من السماء عنوانها من ربّ العالمين إلى فلان بن فلان نؤمر فيها باتّباعك ، ونحوه قوله : (لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ) (٢) وقيل : قالوا إن كان محمد صادقا فليصبح عند رأس كلّ رجل منا صحيفة فيها براءته وأمنه من النار.
٥٣ ـ ٥٦ ـ (كَلَّا) ردع لهم عن تلك الإرادة وزجر عن اقتراح الآيات ، ثم قال (بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ) فلذلك أعرضوا عن التذكرة لا لامتناع إيتاء الصحف (كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ) ردعهم عن إعراضهم عن التذكرة وقال إن القرآن تذكرة بليغة كافية (فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ) أي فمن شاء أن يذكره ولا ينساه فعل ، فإن نفع ذلك عائد إليه (وَما يَذْكُرُونَ) وبالتاء نافع ويعقوب (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) إلا وقت مشيئة الله أو إلا بمشيئة الله (هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) في الحديث : (هو أهل أن يتّقى وأهل أن يغفر لمن اتقاه) (٣).
__________________
(١) كنز العمال ، ١٢ / ٣٤٠٦٩. وربيعة ومضر قبيلتان ينسب إليهما قريش وهما مضر وربيعة ابنا نزار بن معد بن عدنان (الأنساب ٥ / ٣١٨).
(٢) الإسراء ، ١٧ / ٩٣.
(٣) الترمذي والنسائي وابن ماجه والطبراني في الأوسط وابن عدي والحاكم وأحمد وأبو يعلى والبزار كلهم من رواية سهل بن إبراهيم العطفي عن ثابت عن أنس عن النبي عليهالسلام. زاد في (ز) والله أعلم.