(إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (٨) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (٩) فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ (١٠) وَالسَّمَاء ذَاتِ الرَّجْعِ (١١) وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (١٢) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (١٣) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (١٤) إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (١٥) وَأَكِيدُ كَيْدًا (١٦) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا) (١٧)
أول أمره ليعلم أنّ من أنشأه قادر على إعادته وجزائه فيعمل ليوم الجزاء ولا يملي على حافظه إلا ما يسرّه في عاقبته ، ومم خلق استفهام أي من أيّ شيء خلق؟ جوابه (خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ) والدفق : صبّ فيه دفع ، والدفق في الحقيقة لصاحبه والإسناد إلى الماء مجاز ، وعن بعض أهل اللغة دفقت الماء دفقا : صببته ، ودفق الماء بنفسه أي انصبّ ، ولم يقل من ماءين لامتزاجهما في الرحم واتحادهما حين ابتدىء في خلقه (يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ) من صلب الرجل وترائب المرأة وهي عظام الصدر حيث تكون القلادة ، وقيل العظم والعصب من الرجل واللحم والدم من المرأة.
٨ ـ ١٠ ـ (إِنَّهُ) إن الخالق لدلالة خلق عليه ، ومعناه : إن الذي خلق الإنسان ابتداء من نطفة (عَلى رَجْعِهِ) على إعادته خصوصا (لَقادِرٌ) لبيّن القدرة لا يعجز عنه كقوله : إنني لفقير ، أي لبيّن الفقر. ونصب (يَوْمَ تُبْلَى) أي تكشف ، برجعه ، أو بمضمر دلّ عليه قوله رجعه أي يبعثه يوم تبلى (السَّرائِرُ) ما أسرّ في القلوب من العقائد والنيات وما أخفي من الأعمال (فَما لَهُ) فما للإنسان (مِنْ قُوَّةٍ) في نفسه على دفع ما حلّ به (وَلا ناصِرٍ) يعينه ويدفع عنه.
١١ ـ ١٤ ـ (وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ) أي المطر ، وسمّي به لعوده كلّ حين (وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ) هو ما تتصدع عنه الأرض من النبات (إِنَّهُ) إن القرآن (لَقَوْلٌ فَصْلٌ) فاصل بين الحقّ والباطل ، كما قيل له فرقان (وَما هُوَ بِالْهَزْلِ) باللعب والباطل ، يعني أنه جدّ كلّه ومن حقّه وقد وصفه الله بذلك أن يكون مهيبا في الصدور ، معظما في القلوب ، يرتفع به قارئه وسامعه أن يلمّ بهزل أو يتفكّه بمزاح.
١٥ ـ ١٧ ـ (إِنَّهُمْ) يعني مشركي مكة (يَكِيدُونَ كَيْداً) يعملون المكايد في إبطال أمر الله وإطفاء نور الحق (وَأَكِيدُ كَيْداً) وأجازيهم جزاء كيدهم باستدراجي لهم من حيث لا يعلمون ، فسمّي جزاء الكيد كيدا كما سمّي جزاء الاعتداء والسيئة اعتداء وسيئة وإن لم يكن اعتداء وسيئة ، ولا يجوز إطلاق هذا الوصف على الله تعالى إلا على وجه الجزاء كقوله : (نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ) (١) (يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ) (٢)
__________________
(١) التوبة ، ٩ / ٦٧.
(٢) النساء ، ٤ / ١٤٢.