يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (٢٤) فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (٢٥) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (٢٦) يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً (٢٨) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (٢٩) وَادْخُلِي جَنَّتِي) (٣٠)
(رَبُّكَ) تمثيل لظهور آيات اقتداره وتبيين آثار قهره وسلطانه ، فإن واحدا من الملوك إذا حضر بنفسه ظهر بحضوره من آثار الهيبة ما لا يظهر بحضور عساكره وخواصه ، وعن ابن عباس : أمره وقضاؤه (وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) أي ينزل ملائكة كلّ سماء فيصطفون صفا بعد صف محدقين بالجن والإنس (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ) قيل إنها برزت لأهلها كقوله : (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ) (١) وقيل هو مجرى على حقيقته ، ففي الحديث : (يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام ، مع كلّ زمام سبعون ألف ملك يجرونها) (٢) (يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ) أي يتعظ (وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى) ومن أين له منفعة الذكرى.
٢٤ ـ ٢٦ ـ (يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي) هذه ، وهي حياة الآخرة ، أي يا ليتني قدمت الأعمال الصالحة في الحياة الفانية لحياتي الباقية (فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ) أي لا يتولّى عذاب الله أحد لأنّ الأمر لله وحده في ذلك اليوم (وَلا يُوثِقُ) بالسلاسل والأغلال (وَثاقَهُ أَحَدٌ) قال صاحب الكشاف : لا يعذّب أحد أحدا كعذاب الله ، ولا يوثق أحد أحدا كوثاق الله. لا يعذّب ولا يوثق علي ، وهي قراءة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ورجع إليها أبو عمرو في آخر عمره ، والضمير يرجع إلى الإنسان الموصوف وهو الكافر ، وقيل هو أبيّ بن خلف ، أي لا يعذّب أحد مثل عذابه ولا يوثق بالسلاسل مثل وثاقه لتناهيه في كفره وعناده ، ثم يقول الله تعالى للمؤمن.
٢٧ ـ ٣٠ ـ (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ) إكراما له ، كما كلم موسى عليهالسلام ، أو يكون على لسان ملك (الْمُطْمَئِنَّةُ) الآمنة التي لا يستفزها خوف ولا حزن ، وهي النفس المؤمنة ، أو المطمئنة إلى الحق التي سكّنها ثلج اليقين فلا يخالجها شك ، ويشهد للتفسير الأول قراءة أبيّ يا أيتها النفس الآمنة المطمئنة ، وإنما يقال لها عند الموت ، أو عند البعث ، أو عند دخول الجنة (ارْجِعِي إِلى) موعد (رَبِّكِ) أو ثواب ربك (راضِيَةً) من الله بما أوتيت (مَرْضِيَّةً) عند الله بما عملت (فَادْخُلِي فِي عِبادِي) في جملة عبادي الصالحين ، فانتظمي في سلكهم (وَادْخُلِي جَنَّتِي) معهم ، وقال أبو عبيدة : أي مع عبادي أو بين
__________________
(١) الشعراء ، ٢٦ / ٩١.
(٢) رواه الطبري عن عبد الله بن مسعود موقوفا.