(كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (١٧) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (١٨) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَّمًّا (١٩) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (٢٠) كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (٢١) وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (٢٢) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى)(٢٣)
١٧ ـ ٢٠ ـ (كَلَّا) أي ليس الإكرام والإهانة في كثرة المال وقلته بل الإكرام في توفيق الطاعة والإهانة في الخذلان ، وقوله تعالى : فيقول ، خبر المبتدأ الذي هو الإنسان ، ودخول الفاء لما في أمّا من معنى الشرط ، والظرف المتوسط بين المبتدأ والخبر في تقدير التأخير كأنه قيل فأمّا الإنسان فقائل ربي أكرمن وقت الابتلاء ، وكذا فيقول الثاني خبر لمبتدأ تقديره وأما هو إذا ما ابتلاه ربّه ، وسمّى كلا الأمرين من بسط الرزق وتقديره ابتلاء لأن كلّ واحد منهما اختبار للعبد ، فإذا بسط له فقد اختبر حاله أيشكر أم يكفر ، وإذا قدر عليه فقد اختبر حاله أيصبر أم يجزع ، ونحوه قوله تعالى : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) (١) وإنما أنكر قوله ربي أكرمن مع أنه أثبته بقوله فأكرمه لأنه قال (٢) على قصد خلاف ما صححه الله عليه وأثبته ، وهو قصده إلى (٣) إن الله أعطاه ما أعطاه إكراما له لاستحقاقه كقوله : (إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي) (٤) وإنما أعطاه الله تعالى ابتلاء من غير اسحقاق منه (بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ. وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) أي بل هناك شر من هذا القول وهو أن الله يكرمهم بالغنى فلا يؤدّون ما يلزمهم فيه من إكرام اليتيم بالمبرّة وحضّ أهله على طعام المسكين (وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ) أي الميراث (أَكْلاً لَمًّا) ذا لمّ ، وهو الجمع بين الحلال والحرام ، وكانوا لا يورثون النساء ولا الصبيان ، ويأكلون تراثهم مع تراثهم (وَتُحِبُّونَ الْمالَ) يقال حبّه وأحبّه بمعنى (حُبًّا جَمًّا) كثيرا شديدا مع الحرص ومنع الحقوق ، ربّي حجازي وأبو عمرو ، يكرمون ولا يحضون ، ويأكلون ، ويحبون بصري.
٢١ ـ ٢٣ ـ (كَلَّا) ردع لهم عن ذلك وإنكار لفعلهم ، ثم أتى بالوعيد وذكر تحسّرهم على ما فرطوا فيه حين لا تنفع حسرة (٥) فقال (إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ) إذا زلزلت (دَكًّا دَكًّا) دكا بعد دك ، أي كرر عليها الدكّ حتى عادت هباء منبثا (وَجاءَ
__________________
(١) الأنبياء ، ٢١ / ٣٥.
(٢) في (ز) قاله.
(٣) ليس في (ز) إلى.
(٤) القصص ، ٢٨ / ٧٨.
(٥) في (ظ) و (ز) الحسرة.