(الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (٥) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) (٦)
وأما المصدر فوسواس بالكسر كالزلزال ، والمراد به الشيطان سمّي بالمصدر كأنه وسوسة في نفسه لأنها شغله الذي هو عاكف عليه ، أو أريد ذو الوسواس ، والوسوسة : الصوت الخفي (الْخَنَّاسِ) الذي عادته أن يخنس ، منسوب إلى الخنوس وهو التأخر كالعوّاج والبتّات لما روي عن سعيد بن جبير : إذا ذكر الإنسان ربّه خنس الشيطان وولى ، وإذا غفل رجع ووسوس إليه.
٥ ـ (الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ) في محل الجر على الصفة ، أو الرفع ، أو النصب على الشتم ، وعلى هذين الوجهين يحسن الوقف على الخنّاس.
٦ ـ (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) بيان للذي يوسوس ، على أن الشيطان ضربان جنيّ وإنسيّ كما قال : (شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِ) (١) وعن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال لرجل : هل تعوذت بالله من شيطان الإنس؟
روي أنه عليهالسلام سحر فمرض ، فجاءه ملكان وهو نائم ، فقال أحدهما لصاحبه : ما باله. فقال : طبّ. قال : ومن طبّه؟ قال : لبيد بن أعصم اليهودي ، قال : وبم طبّه؟ قال : بمشط ومشاطة في جف طلعة تحت راعوفة في بئر ذي أروان ، فانتبه صلىاللهعليهوسلم فبعث زبيرا وعليا وعمارا رضي الله عنهم فنزحوا ماء البئر وأخرجوا الجفّ فإذا فيه مشاطة رأسه وأسنان من مشطه ، وإذا فيه وتر معقد فيه إحدى عشرة عقدة مغروزة بالإبر. فنزلت هاتان السورتان (٢) ، فكلما قرأ جبريل آية انحلت عقدة حتى قام صلىاللهعليهوسلم عند انحلال العقدة الأخيرة كأنما نشط من عقال وجعل جبريل يقول : باسم الله أرقيك ، والله يشفيك من كل داء يؤذيك (٣).
ولهذا جوّز الاسترقاء بما كان من كتاب الله وكلام رسوله عليهالسلام لا بما كان بالسريانية والعبرانية والهندية فإنه لا يحل اعتقاده والاعتماد عليه.
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا وأقوالنا ومن شر ما عملنا وما لم نعمل ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله ونبيه
__________________
(١) الأنعام ، ٦ / ١١٢.
(٢) إلى هنا ينتهي النقص في (أ).
(٣) أورده الثعلبي في تفسيره بغير إسناد ، وله شواهد في الصحيحين ومسند أحمد.